للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[صفة القرب والدنو]

لقد جاء وصف الله سبحانه وتعالى بالقرب في كتابه العزيز، إذ قال جل وعلا عن نفسه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦)} (١) وقال تعالى: {فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١)} (٢) وجاء وصفه سبحانه بالدنو على لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- في عدة أحاديث منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة" (٣).

ومذهب أهل السنة والجماعة اعتقاد قرب الله تعالى من عباده حقيقة، كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه بائن من خلقه، وهو يتقرب إليهم حقيقة، ويدنو إليهم حقيقة، ولكنهم لا يفسرون كل قرب ورد لفظه في القرآن أو السنة بالقرب الحقيقي.

قال ابن تيمية: "وأما دنوه وتقربه من بعض عباده، فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه ومجيئه يوم القيامة، ونزوله واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف، وأئمة الإسلام المشهورين، وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر" (٤).

وقال في موضع آخر: "ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يُراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة، وينظر في النص الوارد، فإن دل على هذا حمل عليه، وإن دل على هذا


(١) سورة البقرة، آية: ١٨٦.
(٢) سورة هود، آية: ٦١.
(٣) رواه مسلم في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة ح (١٣٤٨) (٩/ ١٢٥).
(٤) الفتاوى (٥/ ٤٦٦).

<<  <   >  >>