للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول أول واجب على المكلف والرد على المتكلمين]

لقد سلك كثير من المتكلمين في معرفة الله تعالى والاستدلال على وجوده طرقًا ملتوية، ما أنزل الله بها من سلطان، وليس لهم في ذلك دليل من كتاب أو سنة، أو فهم سلف الأمة. وقد ترتب على ما ذهبوا إليه من المفاسد ما لا يحصى كثرةً، وقولهم هذا راجع إلى اعتقادهم بأن معرفة الله تعالى نظرية وليست فطرية، أي لا يوجد في القلوب معرفة للخالق سبحانه قبل النظر، لذا اعتبروه أول الواجبات على العبد. قال الباقلاني: "أول ما فرض الله عز وجل على العباد النظر في آياته، والاعتبار بمقدوراته، والاستدلال عليه بآثار قدرته، وشواهد ربوبيته، لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار، ولا مُشاهد بالحواس، إنما يُعْلَم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله، بالأدلة الظاهرة والبراهين الباهرة" (١).

وقال الجويني: "أول ما يجب على العاقل البالغ باستكمال سن البلوغ أو الحُلم شرعًا القصد إلى النظر الصحيح" (٢).

وقد ذكر الباجوري (٣) الأقوال في أول واجب على المكلف، ثم قال بعد ذلك في محاولة للجمع بينها: "الأصح أن أول واجب قصدًا: المعرفة، وأول واجب وسيلة قريبةً: النظر. ووسيلة بعيدة: القصد إلى


(١) الإنصاف للباقلاني ص (٢٢).
(٢) الإرشاد للجويني ص (٢٥).
(٣) إبراهيم بن محمد الباجوري أو البيجوري الشافعي الأشعري شيخ الأزهر في زمنه توفي سنة (١٢٧٧ هـ). معجم المؤلفين (١/ ٥٧)، هدية العارفين (٥/ ٤١).

<<  <   >  >>