للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل ولا تصورتموه وإثبات الشيء فرع تصوره فمن لم يتصور ما يثبته كيف يجوز أن يثبته؟ ولهذا كان أبو سعيد بن كلَّاب - رأس هذه الطائفة وإمامها في هذه المسألة - لا يذكر في بيانها شيئًا يعقل، بل يقول: هو معنى يناقض السكوت والخرس، والسكوت والخرس إنما يتصوران إذا تصور الكلام، فالساكت هو الساكت عن الكلام، والأخرس هو العاجز عنه، أو الذي حصلت له آفة في محل النطق تمنعه عن الكلام، وحينئذ فلا يعرف الساكت والأخرس حتى يعرف الكلام ولا يعرف الكلام حتى يعرف الساكت والأخرس فتبين أنهم لم يتصوروا ما قالوه ولم يثبتوه" (١).

[قولهم كلام الله ليس بحرف ولا صوت]

ذهب الأشاعرة إلى القول بأن كلام الله تعالى ليس بحرف ولا صوت، وقالوا: إذا كان المتكلما ذا مخارج سمع كلامه ذا حروف وأصوات، والباري جل ثناؤه ليس بذي مخارج وكلامه ليس بحرف ولا صوت (٢).

قال القرطبي: "لا خلاف بين أهل السنة في أن موسى سمع كلام الله الذي لا يشبهه كلام البشر الذي ليس بصوت ولا حرف، ولو سمعه بالحرف والصوت لما صحت خصوصية الفضيلة لموسى بذلك إذ قد سمع كلامه تعالى بواسطة الحرف والصوت المشترك، كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} (٣) " (٤).

وعند شرحه لقوله - عليه السلام - في بيان كيف يأتيه الوحي:


(١) الفتاوى (٦/ ٢٩٦).
(٢) الأسماء والصفات للبيهقي (٢/ ٢٨).
(٣) سورة التوبة، آية: ٦.
(٤) المفهم (١/ ٤٣٣).

<<  <   >  >>