للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفاته سبحانه" (١).

[صفة الاستحياء]

وهي صفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (٢)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه" (٣).

قال ابن القيم في هذه الصفة:

وهو الحييُّ فليس يفضح عبده ... عند التجاهر منه بالعصيان

لكنه يلقي عليه ستره ... فهو الستير وصاحب الغفران (٤)

قال الهراس في شرح النونية: "حياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته، وكمال جوده وكرمه، وعظيم عفوه وحلمه، فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه، وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحيي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو ويغفر" (٥).

والقرطبي رحمه الله أوَّل هذه الصفة فقال عند شرحه للحديث السابق: "كأن هذا الثالث كان متمكنًا من المزاحمة، إذ لو شرع فيها لفسح


(١) فتح الباري (٢/ ٦١٧) هامش (١).
(٢) سورة البقرة، آية: ٢٦.
(٣) رواه البخاري في كتاب العلم باب من قعد حيث ينتهي به المجلس ومن رأى فرجة في الحلقة فجلس فيها ح (٦٦) (١/ ١٨٨) ومسلم في كتاب السلام باب من أتى مجلسًا فوجد فرجة فجلس فيها وإلا وراءهم ح (٢١٧٦) (١٣/ ٤٠٨).
(٤) القصيدة النونية مع شرحها للهراس (٢/ ٨٠).
(٥) المرجع السابق.

<<  <   >  >>