للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للفواحش من الله تعالى، والغيور منعه حريمه، وكلما زادت غيرته زاد منعه، فاستعير لمنع الباري سبحانه عن معاصيه اسم الغيرة مجازًا واتساعًا، وخاطبهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بما يفهمونه" (١).

وهذه التأويلات التي تكلفوها خشية أن يؤدي وصفه سبحانه بهذه الصفة مشابهة الخلق بزعمهم ولا شك أن، صفات الباري سبحانه كذاته، لا تشابه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين.

وتأويل الغيرة بلوازمها من المنع وا احماية والغضب لا يصح، إذ هي غير الغيرة، بل هي من آثارها، والاستد. لال بالحديث الذي فيه تفسير الغيرة ليس معهم بل هو ضدهم، إذ الحدة بث بيان مقتضى الغيرة، وهو تحريم الفواحش .. وجعلهم سبب رد هذه الصفة دليل الحدوث باطل كما سبق بيانه.

ولا يصح بيانهم لغيرة المخلوق، ثم قياس غيرة الله تعالى عليها، ليكون هذا سببًا لردها تنزيهًا لله كما زعموا، بل نقول: إن هذه الغيرة التي وصف الله سبحانه بها ليست كغيرة المخلوق، بل هي غيرة تليق بالله سبحانه وتعالى، ولذا فليس وصف الله تعالى بها محالًا، كما قال القرطبي. قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "المحال عليه سبحانه وتعالى وصفه بالغيرة المشابهة لغيرة المخلوق، وأما الغيرة اللائقة بجلاله سبحانه وتعالى، فلا يستحيل وصفه بها كما دل عليه هذا الحديث، وما جاء في معناه فهو سبحانه يوصف بالغيرة عند أهل السنة على وجه لا يماثل فيه صفة المخلوقين، ولا يعلم كنهها وكيفيتها إلَّا هو سبحانه، كالقول في الاستواء والنزول والرضا والغضب، وغير ذلك من


(١) المعلم (١/ ٣٢١).

<<  <   >  >>