للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي لا يشاركه الخلق فيها (١).

وقد ذكر القرطبي صفة الغيرة في موضعين من المفهم، سلك فيهما طريق التأويل حيث قال: "الغيرة في حقنا راجعة إلى تغير وانزعاج وهيجان يلحقان الغيران عندما ينال شيء من حرمه أو محبوباته فعمل على صيانتهم ومنعهم، وهذا التغير على الله محال، وهو منزه عن كل تغير ونقص، لكن لما كانت ثمرة الغيرة صون الحريم ومنعهم وزجر القاصد إليهم، أُطلق ذلك على الله تعالى، إذ قد زجر وذم ونصب الحدود، وتوعد بالعقاب الشديد من تعرض لشيء من محارمه، وهذا من التجوز ومن باب: تسمية الشيء باسم ما يترتب عليه" (٢).

وقال في موضع آخر: "الغيرة في حقنا: هيجان وانزعاج يجده الإنسان من نفسه، يحمل على صيانة الحرم ومنعهم من الفواحش ومقدماتها، والله تعالى منزه عن مثل ذلك الهيجان، فإنه تغير يدل على الحدوث، فإذا أطلقت لفظ الغيرة على الله، فإنما معناه: أنه تعالى منع من الإقدام على الفواحش بما توعد عليها من العقاب والزجر والذم وبما نصب عليها من الحدود، وقد دلَّ على صحة هذا قوله في حديث آخر: "وغيرة الله ألا يأتي المؤمن ما حرمه الله عليه" (٣) " (٤).

وكذلك المازري أوَّل هذه الصفة فقال: "معناه ما أحد أمنع


(١) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (١/ ٣٣٠).
(٢) المفهم (٢/ ٥٥٧).
(٣) أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب المتشبع لما لم ينل. ح (٥٢٢٣) (٩/ ٢٣٠) ومسلم في كتاب التوبة باب غيرة الله تعالى وتحريم الواحش ح (٢٧٦١) (١٧/ ٨٤) وهو بلفظ "وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرَّم عله" وليس كما ذكر القرطبي.
(٤) المفهم (٤/ ٣٠٤).

<<  <   >  >>