للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثالث الموقف مما وقع بينهم]

كل ما سبق بيانه من فضل الصحابة - رضي الله عنهم - ومكانتهم، وبيان عدالتهم وعظم الطعن فيهم، يبين لنا الموقف مما وقع بينهم من فتن؛ إذ قد نص أهل السنة على السكوت عما شجر بينهم، وبيان أن الجميع مجتهد: فمصيبتهم له أجران ومخطئهم له أجر واحد (١).

وهذا هو الذي سلكه القرطبي والمازري رحمهما الله. إذ بيَّن القرطبي أن الخلاف الذي وقع بينهم إنما هو بسبب حرصهم على الخير وشدة تمسكهم بالحق، فقال: "الصحابة - رضي الله عنهم - لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يبالون في القيام بالحق، وإن أدى إلى العظائم، وهذا هو أعظم الأسباب التي أوجبت الاختلاف بينهم، حتى أدى ذلك إلى الحروب العظيمة والخطوب الجسيمة، فإن كل طائفة كانت ترى أنها المصيبة المحقة، ومخالفتها المخطئة، فإنها كانت أمورًا اجتهادية، ولم يكن فيها نصوص قطعية" (٢).

وقال أيضًا في بيان الموقف الحق مما وقع بينهم: "والذي عليه جماعة أهل السنة والخق حسن الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وطلب أحسن التأويل لفعلهم، وأنهم مجتهدون غير قاصدين للمعصية، والمجاهرة بذلك، وطلب حب الدنيا، بل كلُّ عملٍ على شاكلته وبحسب ما أدَّاه إليه اجتهاده، لكن منهم المخطئ في اجتهاده، ومنهم المصيب،


(١) انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث للصابوني ص (٢٩٤)، والإمامة والرد على الرافضة للأصبهاني ص (٣٦٣)، وشرح العقيدة الطحاوية (٢/ ٧٢٤).
(٢) المفهم (٦/ ٦٢٠).

<<  <   >  >>