للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* الحكم على الخوارج:

قال القرطبي: "بظاهر هذا التشبيه (١) تمسك من حكم بتكفيرهم من أئمتنا، وقد توقف في تكفيرهم كثير من العلماء لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيتمارى في الفُوقِ" وهذا يقضي بأنه يشك في أمرهم، فيتوقف فيهم، وكأن القول الأول أظهر من الحديث، فعلى القول بتكفيرهم: يقاتلون ويقتلون وتسبى أموالهم، وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج، وعلى قول من لا يكفرهم: لا يجهز على جريحهم ولا يتبع منهزمهم ولا تقتل أسراهم، ولا تستباح أموالهم، وكل هذا إذا خالفوا المسلمين، وشقوا عصاهم، ونصبوا راية الحرب، فأما من استتر ببدعته منهم، ولم ينصب راية الحرب، ولم يخرج عن الجماعة، فهل يقتل بعد الاستتابة أو لا يقتل وإنما يجتهد في رد بدعته ورده عنها؟ اختلف في ذلك وسبب الخلاف في تكفير من هذه حاله: أن باب التكفير بابٌ خطير أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلموا، ولا نعدل بالسلامة شيئًا" (٢).

وفي موضع آخر بيَّن عدم كفرهم، وذلك عند شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلَّا الله وأني رسول الله إلَّا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" (٣) حيث قال: "قوله: "المفارق للجماعة" ظاهره: أنه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه، لأنه إذا ارتد عن دين الإسلام، فقد خرج عن جماعتهم، غير أنه يلحق بهم في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة


(١) وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب إثم من راءى بقراءة القرآن ح (٥٠٥٨) (٨/ ٧١٧).
(٢) المفهم (٣/ ١١٠).
(٣) رواه مسلم في كتاب القسامة، باب ما يباح من دم المسلم ح (١٦٧٦) (١١/ ١٧٦).

<<  <   >  >>