للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: الحالة السياسية]

عاش القرطبي -رحمه الله- في الفترة من (٥٧٨ هـ) حتى (٦٥٦ هـ) وهي فترة اضطرابات، وحروب وفتن، وضعف للأمة الإسلامية، وتسلُّط لأعدائها عليها من النصارى والتتار.

فقد عاصر القرطبي حملة التتار واجتياحهم للبلاد الإسلامية، حيث خرجوا من بلاد الصين في الشرق، وساروا نحو بلاد الإسلام، فما مروا على بلدة إلَّا سقطت تحت أيديهم، فيعيثون فيها فسادًا؛ بقتل الرجال والشيوخ والأطفال والنساء، ونهب الأموال، وإحراق البلاد.

فعظُمَت بهمُ الفتنة، حتى قال ابن الأثير (١) -وهو المعاصر لتلك الأحداث- في تاريخه -مصورًا عظم الفتنة وشدة المحنة-: "لقد بقيت سنين عديدة معرضًا عن ذكر هذه الحادثة استعظامًا لها، كارهًا لذكرها، فأنا أُقَدِّم رِجْلًا وأُؤخِّر أُخْرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني مت قبل هذا، وكنت نسيًا منسيًا، إلَّا إنني حثَّني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها، وأنا مُتوقفٌ، ثمَّ رأيت أنَّ ترك ذلك لا يُجدي نفعًا، فنقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى، التي عَقمَت الأيام والليالي عن مثلها عمَّت الخلائق وخصَّت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله -سبحانه وتعالى- آدم إلى الآن لم يبتلوا بمثلها لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ... ولعلَّ الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض


(١) عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن محمد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، مؤرخ أديب، نسَّابه، من آثاره: "أسد الغابة في معرفة الصحابة" توفي سنة (٦٣٠ هـ).
البداية والنهاية (١٣/ ١٤٩)، طبقات الحفاظ ص (٥٨٩) ترجمة (١٠٩٢).

<<  <   >  >>