للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحكم في المنافق]

لا شك أن حكم المنافق الخالص في الآخرة الخلود في النار، بل هو في الدرك الأسفل منها، كما جاءت بذلك الآيات والأحاديث. قال القرطبي: "المنافقون يحكم لهم في الدنيا بأحكام المسلمين، وهم عند الله من أسوأ الكافرين" (١).

أما من ظهر نفاقه وبان هل يقتل أم لا؟

قال القرطبي في ذلك: "المنافقون الذين علم نفاقهم في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا مستحقين للقتل، لكن امتنع النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك لئلا يكون قتلهم منفرًا لغيرهم عن الدخول في الإسلام؛ لأن العرب كانوا أهل أنفة وكبر، بحيث لو قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء المنافقين لنفر من بعد عنهم، فيمتنع من الدخول في الدين، وقالوا: هو يقتل أصحابه، ولغضب من قرب من هؤلاء المنافقين، فتهيج الحروب، وتكثر الفتن، ويمتنع من الدخول في الدين، وهو نقيض المقصود، فعفا النبي -صلى الله عليه وسلم- عنهم، ورفق بهم، وصبر على جفائهم وأذاهم، وأحسن إليهم حتى انشرح صدر من أراد الله هدايته فرسخ في قلبه الإيمان، وتبين له الحق اليقين، وهلك عن بينة من أراد الله هلاكه، وكان من الخاسرين، ثم أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- مستصحبًا لذلك إلى أن توفاه الله تعالى، فذهب النفاق وحكمه؛ لأنه ارتفع مسماه واسمه، ولذلك قال مالك: "النفاق في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الزندقة عندنا اليوم" ويظهر من مذهبه أن ذلك الحكم منسوخ بقوله تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ... } إلى قوله: {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} (٢)


(١) المفهم (١/ ١٨٩).
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٦٠، ٦١.

<<  <   >  >>