للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: معنى الإحصاء المذكور]

لا شك أن العلم بأسماء الله -سبحانه وتعالى- وإحصاءها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماء الله كما ينبغي للمخلوق، فقد أحصى جميع العلوم إذ إحصاء أسمائه سبحانه أصل لإحصاء كل معلوم؛ لأن المعلومات هي مقتضاها ومرتبطة بها (١).

ولذا اختلفت عبارات العلماء في تحديد معنى الإحصاء الوارد في الحديث، والذي جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جزاءه الجنة، وقد قال القرطبي في بيانه لمعنى الإحصاء الوارد في الحديث: "الإحصاء في الكلام على ثلاث مراتب، أولها: العدد، ومنه قوله تعالى: {وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (٢٨)} (٢) والثانية: بمعنى الفهم، ومنه يقال: رجل ذو حصاة أي: ذو لب وفهم، ومنه سمي العقل حصاة، قال كعب بن سعد الغنوي (٣):

وأن لسان المرءِ ما لم تكُن له ... حصاةُ على عوراتِهِ لدليلُ (٤)

والثَّالثة: بمعنى الإطاقة على العمل والقوة، ومنه قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} (٥) أي: لن تطيقوا العمل بذلك، والمرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة، لكن المرتبة الأولى: هي مرتبة أصحاب


(١) أسماء الله الحسنى لعبد الله بن صالح الغصن ص (١١٥).
(٢) سورة الجن، الآية: ٢٨.
(٣) كعب بن سعد بن عمرو الغنوي شاعر جاهلي أشهر شعره بائيته في رثاء أخ له قتل في حرب ذي قار. الأعلام (٥/ ٢٢٧). كشف الظنون (١/ ٨٠٨).
(٤) البيت لطرفة بن العبد البكري الشاعر الجاهلي أحد شعراء المعلقات وليس كما ذكر القرطبي. انظر ديوان طرفة بن العبد ص (٨١).
(٥) سورة المزمل، الآية: ٢٠.

<<  <   >  >>