للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قول أهل السنة والجماعة، خلافًا لأهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة ونحوهم" (١).

[نسبة استطابة الروائح إلى الله تعالى]

وثبتت نسبة ذلك إليه في الحديث الصحيح الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" (٢).

قال القرطبي في شرح هذا الحديث: "لا يتوهم أن الله تعالى يستطيب الروائح ويستلذها كما يقع لنا من اللذة والاستطابة، إذ ذاك من صفات افتقارنا واستكمال نقصنا وهو الغني بذاته الكامل بجلاله وتقدسه على أنَّا نقول: إن الله تعالى يدرك المدركات ويبصر المبصرات ويسمع المسموعات على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه المخلوقات، وإنما معنى هذه الأطيبية، عند الله راجعة إلى أن الله تعالى يثيب على خلوف فم الصائم ثوابًا أكثر مما يثيب على استعمال روائح المسك، حيث ندب الشرع إلى استعماله فيها كالجمع والأعياد وغير ذلك ويحتمل أن يكون ذلك في حق الملائكة فيستطيبون ريح الخلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك" (٣).

ولا أبعد من هذا التأويل ولا أشد من هذا التكلف الذي لا تساعده فيه النصوص، وما أجمل كلامَه السابق حينما قال: "يدرك المدركات ويبصر المبصرات ويسمع المسموعات" فليته أكمل فقال: ويستطيب الروائح على الوجه اللائق بجماله وكماله وتقدسه عن شبه المخلوقات،


(١) التعليق على فتح الباري للدويش ص (١٨).
(٢) رواه البخاري في كتاب الصوم، باب هل يقول إني صائم إذا شتم ح (١٩٠٤) (٤/ ١٤١) ومسلم في كتاب الصيام باب فضل الصيام ح (١١٥١) (٨/ ٢٧٧).
(٣) المفهم (٣/ ٢١٥).

<<  <   >  >>