الرحمة صفة من صفات الله الثابتة في الكتاب والسنة، فالنصوص الواردة في إثباتها أكثر من أن تحصى، ولذا فلا مجال لعرض هذه الأدلة المثبتة لهذه الصفة، ومن أسماء الله تعالى الحسنى:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهما مشتقان من "الرحمة".
وقد أوَّل القرطبي والمازري هذه الصفة وصرفاها عن ظاهرها، فقال القرطبي: "الرحمة في حقنا: هي رقة وحنو يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى أو ضعيف، أو صغير، يحمله على الإحسان إليه واللطف به، والرفق والسعي في كشف ما به، وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله -عاقله وغير عاقله- فيها تعطف الحيوانات على نوعها، وأولادها، فتحنو عليها، وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها، وحكمة هذه الرحمة تسخير القوي للضعيف، والكبير للصغير، حتى ينحفظ نوعه، وتتم مصلحته، وذلك تدبير اللطيف الخبير، وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في هذه الدار، وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة، ادخرها الله ليوم القيامة، فيرحم بها عباده المؤمنين، وقت أهوالها وشدائدها، حتى يخلصهم منها، ويدخلهم في جنته وكرامته، ولا يفهم من هذا أن: الرحمة التي وصف الحق بها نفسه هي: رقة وحنو كما هي في حقنا؛ لأن ذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تعالى منزه ومقدس عن ذلك، وعن نقيضه الذي هو القسوة والغلظ، وإنما ذلك راجع في حقنا إلى ثمرة تلك الرأفة