للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ما تقدم من غدره وعقوبة له فسمي الجزاء على السخرية سخرية فقال: أتسخر مني أي تعاقبني بالإطماع" (١).

قال ابن تيمية في الرد على الذين يقولون بالمجاز: "وكذلك ما ادعو أنه مجاز في القرآن كلفظ المكر والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله تعالى وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلمًا له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلًا ... قال تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} (٢)، ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلًا يستحق هذا الاسم ... وقال بعضهم: استهزاؤه: استدراجه لهم، وقيل: إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم. وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة. وقيل: هو تجهيلهم وتخطئتهم فيما فعلوه، وهذا كله حق وهو استهزاء بهم" (٣).

وقال ابن القيم: "إن الله لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع، والاستهزاء مطلقًا، فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقًا بل تمدح في موضع وتذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقًا فلا يقال: إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد؛ لأنه تعالى لم يصف نفسه بهذا إلَّا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه فإطلاق ذلك عليه


(١) المعلم (١/ ٢٢٨).
(٢) سورة التوبة، آية: ٧٩.
(٣) الفتاوى (٧/ ١١١، ١١٢).

<<  <   >  >>