للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبقوله: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} (١) فقد سوَّى بينهما في الأمر بالجهاد، وجهاد الكفار قتالهم وقتلهم، فليكن جهاد المنافقين كذلك ... وقد ذهب غير واحد من أئمتنا إلى أن المنافقين يعفى عنهم ما لم يظهروا نفاقهم، فإن أظهروه قتلوا، وهذا أيضًا يخالف ما جرى في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن منهم من أظهر نفاقه واشتهر عنه حتى عرف به، والله أعلم بنفاقه، ومع ذلك لم يقتلوا ... وقد وضح من هذا الحديث (٢) إبطال قول من قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقتل المنافقين لأنه لم تقم بينة معتبرة بنفاقهم، إذ قد نص فيه على المانع من ذلك وهو غير ما قالوه" (٣).

[المطلب الرابع: الفسق]

قال القرطبي في تعريف الفسق لغة: "الفاسق في أصل اللغة هو الخارج مطلقًا، والفسق والفسوق: الخروج، ومنه قولهم: فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرها الأعلى، ومنه سميت الفأرة: فويسقة؛ لأنها تخرج من جحرها للفساد" (٤).

وينقسم الفسق في الشرع إلى قسمين:

الأول: فسق مخرج من الملة موجب لصاحبه الخلود في النار، كما قال تعالى عن إبليس: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (٥) وسمى سبحانه


(١) سورة التوبة، الآية: ٧٣.
(٢) وهو قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمر لما قال: عن عبد الله بن أبي: دعني أضرب عنق. هذا المنافق "دعه لا يتحدث الناس أنَّ محمدًا يقتلُ أصحابه" رواه البخاري في كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية ح (٣٥١٨) (٦/ ٦٣١)، ومسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا ح (٢٥٨٤) (١٦/ ٣٧٣).
(٣) المفهم (٦/ ٥٦١).
(٤) المفهم (١/ ١٠٧).
(٥) سورة الكهف، الآية: ٥٠.

<<  <   >  >>