للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذي لا يقبل المحو ولا التغيير، وحكي معناه عن عمر -رضي الله عنه- في الآية" (١).

وأطال المازري -على غير عادته- في هذه المسألة، وذكر عدة صور للجمع بين النصوص، فقال: قد أُثبت في هذا الحديث أن الأجل لا يزاد فيه، ولا ينقص، وقد قال في حديث آخر: إن صلة الرحم تزيد في العمر، فكيف الجمع بين الحديثين؟

قلنا: أول ما يجب أن تعلم أن الأجل عبارة عن الوقت الذي قدر موت الإنسان فيه، والباري سبحانه يعلمه، فما علمه الباري من الآجال لا يتبدل ولا يتغير، فالزيادة في الأجل الذي علمه الله سبحانه وتعالى لا تصح. وإن كان في غير الأجل الذي عند الله تعالى في غيبه، فهذا غير ممتنع، وقال الحذاق من أهل العلم: ما وقع من الظواهر في الزيادة في العمر والنقصان منه، فيحمل على ما عند ملك الموت، أو من وكله الباري بقبض الأرواح، وأمره فيها بآجال محدودة، فإنه سبحانه بعد أن يأمره بذلك أو يثبته في اللوح المحفوظ لملك الموت فينقص منه أو يزيد فيه، على حسب ما شاء الله حتى يقع الموت على حسب ما علم الله تعالى في الأزل، وقد قال عز وجل: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} (٢) وهذا تنبيهٌ إلى ما قلناه، وإن كان قيل في الآية: محو الليل بالنهار، والنهار بالليل، وقيل: محو الأحكام المنسوخة بالناسخة لها. وقيل: معنى ذلك أن الله علم أن يعمره مائة عام؛ لأنه يَصِلُ رَحِمَهُ، وعلم أنه لو لم يصل رحمه لعمَّره ثمانين، والباري سبحانه موصوف بأنه يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون، وهذا أمثل ما ذكرنا من التأويلات،


(١) المفهم (٦/ ٥٢٨) وانظر أيضًا (٦/ ٦٥٤).
(٢) سورة الرعد، الآية: ٣٩.

<<  <   >  >>