للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا التوحيد هو أساس أنواع التوحيد الأخرى؛ لأن الخالق المالك الرازق المدبر هو المستحق للعبادة والخضوع، وهو المستحق لأوصاف الجلال والكمال.

وقد زعم أهل الكلام ومن وافقهم أن هذا التوحيد هو الذي جاءت به الرسل، وأُنزلت لأجله الكتب، فأطالوا في إثباته، وتوسعوا في تقريره.

قال شارح الطحاوية في تعريفه لتوحيد الربوبية: "الإقرار بأنه خالق كل شيء، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، وهذا التوحيد حق لا ريب فيه، وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام، وطائفة من الصوفية، وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات" (١).

ولا شك أن التوحيد الذي جاءت بالدعوة إليه الرسل هو توحيد العبادة، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (٢).

وهو الذي أنكره كفار قريش، فما نفعهم إيمانهم بتوحيد الربوبية -مع كفرهم بتوحيد الألوهية- كما قال تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ


(١) شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي (١/ ٢٥).
(٢) سورة النحل، الآية: ٣٦.

<<  <   >  >>