للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تعالى: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} (١).

ولذا فأثبت أهل السنة والجماعة الحكمة في أفعال الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "قال الجمهور من أهل السنة وغيرهم: بل هو حكيم في خلقه وأمره، والحكمة ليست مطلق المشيئة، إذ لو كان كذلك لكان كل مريد حكيمًا، ومعلوم أن الإرادة تنقسم إلى محمودة ومذمومة بل الحكمة تتضمن ما في خلقه وأمره من العواقب المحمودة والغايات المحبوبة، والقول بإثبات هذه الحكمة ليس قول المعتزلة ومن وافقهم من الشيعة فقط، بل هو قول جماهير طوائف المسلمين من أهل التفسير والفقه والحديث والتصوف والكلام وغيرهم" (٢).

وظاهر كلام القرطبي في هذه المسألة موافقة أهل السنة في إثبات الحكمة لأفعال الله تعالى، حيث قال: "إن لله تعالى فيما يجريه حكمًا وأسرارًا راعاها، ومصالح راجعة إلى خلقه اعتبرها، كل ذلك بمشيئته وإرادته من غير وجوب عليه، ولا حكم عقليٍّ يتوجَّه إليه (٣) بل ذلك بحسب ما سبق في علمه، ونافذِ حكمه، فما أُطلع عليه من تلك الأسرار عُرِفَ، وما لا، فالعقل عنده يقف، وحذار من الاعتراض والإنكار، فإن مآل ذلك إلى الخيبة وعذاب النار" (٤).

وقال أيضًا: "الحكيم: المحكم للأمور أو الكثير الحكمة" (٥).


(١) سورة القمر، الآية: ٤٣.
(٢) منهاج السنة (١/ ١٤١) وانظر الفتاوى (٨/ ٩٢).
(٣) أراد بهذا الاستثناء الاحتراز من قول المعتزلة الذين أوجبوا على الله تعالى بمقتضي الحكمة أمورًا ومنعوا أمورًا لمخالفتها لمقتضى الحكمة بزعمهم وبمحض عقولهم.
(٤) المفهم (٦/ ٢١٦).
(٥) المفهم (١/ ٤٠٥).

<<  <   >  >>