للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخلق عند الله يوم القيامة" (١). قال القرطبي: "إنما فعل ذلك أوائلهم ليتأنسوا برؤية تلك الصور، ويتذكروا بها أحوالهم الصالحة فيجتهدون كاجتهادهم، ويعبدون الله تعالى عند قبورهم، فمضت لهم بذلك أزمان، ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان: أن آباءهم وأجدادهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها. فحذر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن مثل ذلك، وشدَّد النكير والوعيد على فعل ذلك، وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال: "اشتدَّ غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، فلا تتخذوا القبور مساجد" (٢) أي أنهاكم عن ذلك، وقال: "لعن الله اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" (٣) وقال: "اللهم لا تجعل قبري وثنًا يُعبد" (٤) ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة -إذ كان مستقبل المصلين- فتتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا على زاوية


(١) رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ح (٤٢٧) (١/ ٦٢٤)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على القبور واتخاذ الصور فيها ح (٥٢٨) (٥/ ١٤).
(٢) أخرجه أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٦) ومالك في الموطأ كتاب قصر الصلاة في السفر باب جامع الصلاة. وقال الألباني: رواه أحمد وابن سعد وأبو يعلى وأبو نعيم بسند صحيح وله شاهد مرسل رواه عبد الرزاق في "المصنف" وكذا ابن أبي شيبة عن زيد بن أسلم وإسناده قوي. انظر: تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للألباني ص (٢٥).
(٣) رواه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل ح (٣٤٥٣) (٦/ ٥٧٠) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب النهي عن بناء المساجد على الصور واتخاذ الصور فيها ح (٥٣١) (٥/ ١٦).
(٤) سبق تخريجه في الصفحة نفسها.

<<  <   >  >>