للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب مسلم فقالت: حتى كان يخيل إليه أنه يأتي النساء فلا يأتيهن، ولو لم ينقل أن ذلك في الجماع لصح في غيره، كما صح فيه، فيخيل إليه أنه يقدم على الأكل أو المشي مثلًا، لأنه لا يحس بمانع يمنعه منه، فإذا رام ذلك، وأخذ فيه، لم يتأث له ذلك لغلبة المرض الناشئ عن السحر، لا أنه -صلى الله عليه وسلم- أوجب له خللًا في عقله، ولا تخليطًا في قوله إذ قام برهان المعجزة على صدقه وعصمة الله تعالى له عن الغلط فيما يبلغه بقوله وفعله، وأما عدم علم الطاعن: فقد سلبه الله العلم بأحكام النبوات، وما تدل عليه المعجزات، فكأنهم لم يعلموا أن الأنبياء من البشر، وأنه يجوز عليهم من الأمراض والآلام والغضب والضجر والعجز والسحر والعين وغير ذلك مما يجوز على البشر، لكنهم معصومون عما يناقض دلالة المعجزة من معرفة الله تعالى، والصدق والعصمة عن الغلط في التبليغ، وعن هذا المعنى عبَّر الله تعالى بقوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (١) من حيث البشرية يجوز عليهم ما يجوز عليهم، ومن حيث الخاصة النبوية: امتاز عنهم وهو الذي شهد له العلي الأعلى بأن بصره ما زاغ وما طغى، وبأن فؤاده ما كذب ما رأى، وبأن قوله وحي يوحى وأنه ما ينطق عن الهوى" (٢).

وقال المازري: "قد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث من طريق ثابتة، وزعموا أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل، وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، ولعله يُخيَّل إليه جبريل -عليه السلام- وليس ثم ما يراه أو أنه أوحي إليه وما أوحي إليه، وهذا الذي قالوه باطل، وذلك أن الدليل قد قام على صدقه فيما يبلغه عن الله سبحانه، وعلى عصمته فيه، والمعجزة


(١) سورة الكهف، الآية: ١١٠.
(٢) المفهم (٥/ ٥٧٠).

<<  <   >  >>