للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جعلوها دليلًا على أن هناك ظاهرًا شرعيًّا وحقيقة صوفية تخالف الظاهر (١).

وقد قال القرطبي عند ذكر قصة موسى مع الخضر في كتاب النبوات: "ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق يلزم منه هدُّ الأحكام الشرعية، فقالوا: هذه الأحكام الشرعية إنما يحكم بها على الأغنياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص، بل: إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم، قالوا: وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون أحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع والكليات، كما اتفق للخضر فإنه استغنى بما تجلى له من تلك العلوم عما كان عند موسى من تلك الفهوم، وقد جاء فيما ينقلون استفت قلبك، وإن أفتاك المفتون.

قلت - أي القرطبي -: وهذا القول زندقة وكفر، يقتل قائله، ولا يستتاب؛ لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله تعالى قد أجرى سنته، وأنفذ حكمته، فإن أحكامه لا تعلم إلَّا بواسطة رسله السفراء، بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالاته ... فمن قال: إن هناك طريقًا آخر يعرف بها أمره ونهيه، غير الرسل، بحيث يستغنى بها عن الرسل فهو كافر يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده، ولا رسول، وبيان ذلك: أنه من قال: يأخذ عن قلبه، وإن ما وقع


(١) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق ص (١٢٥).

<<  <   >  >>