للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدعوات، وزعموا أنهم ممن يتبرك بلقائهم، ويغتنم صالح دعائهم، وأنهم يجب احترامهم وتعظيمهم فيتمسح بأثوابهم، وتقبل أيديهم، ويرون أن لهم المكانة عند الله بحيث ينتقم لهم ممن تنقصهم في الحال، وأن يؤخذ من أساء الأدب عليهم من غير إمهال، وهذه كلها نتائج الجهل العميم، والعقل غير المستقيم، فإن ذلك إنما يصدر من جاهل معجب بنفسه، غافل عن جرمه وذنبه، مغتر بإمهال الله عز وجل له عن أخذه، ولقد غلب أمثال هؤلاء الأنذال في هذه الأزمان، فاستتبعوا العوام، وعظمت بسببهم على أهل الدين المصائب والطوام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وهذه نفثات مصدور وإلى الله عاقبة الأمور" (١).

وقد ألزم الصوفية كل تابع لهم بأن يتخذ له شيخًا يلازمه، ولا يأخذ إلَّا عنه، ويطيعه طاعة عمياء، وإن أمره بالسوء والفحشاء، وشعارهم في ذلك قولهم: "كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي الغاسل" (٢) وقد بيَّن القرطبي انحراف الصوفية في هذا الجانب عند شرحه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف" (٣) حيث قال: "هذا الحديث يرد حكاية حكيت عن بعض مشايخ الصوفية، وذلك أن مريدًا له قال يومًا: قد حمي التنور، فماذا أصنع؟ فتغافل عنه، فأعاد عليه القول فقال له: ادخل فيه، فدخل المريد في التنور، ثم إن الشيخ تذكر فقال: الحقوه كان قد عقد على نفسه ألَّا يخالفني، فلحقوه فوجده في التنور لم تضره النار.


(١) المفهم (٧/ ٣٧٥).
(٢) الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة لعبد الرحمن عبد الخالق ص (٣١٩).
(٣) رواه البخاري في كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض، والأحكام ح (٧٢٥٧) (١٣/ ٢٤٥)، ومسلم في كتاب الإجازة، باب وجوب طاعة الأمراء من غير معصية وتحريمها في المعصية ح (١٨٤٠) (١٢/ ٤٦٩).

<<  <   >  >>