للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخذت الصوفية إباحة السماع غير أنهم اليوم أفرطوا في ذلك وتعدوا فيه الوجه الجائز، وتذرعوا بذلك إلى استباحة المحرمات من أصناف الملاهي: كالشبابات والطارات والرقص وغير ذلك، وهذه أفعال المجان، أهل البطالة والفسوق، المدخلين في الشريعة ما ليس منها، أعاذنا الله من ذلك بمنه" (١).

وأما حال هؤلاء عند الذكر والمواعظ فهو الزعيق والصياح، بزعم أن هذا من صفات أهل الخشوع والصلاح.

وقد بيَّن القرطبي - رحمه الله - أن هذا لم يكن من هدي الصحابة - رضي الله عنهم - وهم أشد الناس خشية لله تعالى بعد الأنبياء عليهم السلام، وذلك عند قول أنس - رضي الله عنه - وهو يبين حال الصحابة - رضي الله عنهم - عند غضب الرسول - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "فجعلت التفت يمينًا وشمالًا، فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي" (٢). قال القرطبي: "هذه حالة العارفين بالله تعالى، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما تفعله جهَّالُ العوام والمبتدعة الطغام من الزعيق والزفير، ومن النهيق الذي يشبه نهاق الحمير، فيقال لمن تعاطى ذلك، وزعم أن ذلك وجدٌ وخشوع: إنك لم تبلغ ذلك، أي: تساوي حال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا حال أصحابه في المعرفة بالله تعالى، والخوف منه، والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ، الفهم عن الله تعالى، والبكاء خوفًا من


= (٥/ ١٠).
(١) المفهم (٢/ ١٢٤).
(٢) رواه البخاري في كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره ح (٩٢) (١/ ٢٢٥) ومسلم في كتاب الفضائل، باب توقيره - صلى الله عليه وسلم - وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه ح (٢٣٥٩) (١٥/ ١٢٠).

<<  <   >  >>