للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكن لا تزالُ في هذه الأمة طائفةٌ منصورة، وفرقةٌ ناجية، لا يضرُّهم من خذلهم ولا من خالَفَهم حتى يأتي أمرُ الله، فيهم أهلُ السنة والجماعة، الذين يعتقدون ما عليه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، فمنهجُهم في العقيدة هو الذي يجب الأخذُ به والسيرُ عليه والجزمُ بصحتِه ونقائه وكمالِه وأنَّ ما خالفه من العقائد مذموم مردود.

والمصدران الوحيدانِ لتَلقِّي هذه العقيدة الصحيحة النقية هما الكتاب والسنة ومن المعلوم أنَّ أصحَّ الكتب بعد كتاب الله هما صحيحا البخاري ومسلم، حيث أجمعت الأمةُ على تقديمهما وقبولهما.

ولهذا كثرت عنايةُ العلماءِ بهما دراسةً وشرحًا وتعليقًا وتوضيحًا، وقد لقي صحيح مسلم من العناية والاهتمام خصوصًا من علماء المغرب والأندلس ما فاق به غيره، وممن قام باختصاره وشرحه الحافظ الفقيه أبو العباس أحمد بن عمر القرطبيُّ الأندلسي المتوفى في الإسكندرية سنة (٦٥٦ هـ). وقد سماه "المفهم في حل ما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" وهو كتابٌ ضخمٌ وشرح واسع يدل على سعة علم مؤلفه وتمكنه. ومع اعتماد العلماء السابقين عليه وكثرة نقلهم منه كالحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري، إذ نقل عنه في أكثر من مائة موضع، وقد ينقل له كلامًا في صفحة كاملة، وكالعراقي وابنه في "طرح التثريب" إذ نقلا عنه في أكثر من ثلاثمائة وثمانين موضعًا، وغيرهم كثير، مما هو مبين في الرسالة عند التعريف بالكتاب وبيان أهميته، هذا سوى تلميذه القرطبي المفسر الذي حوى تفسيره الكثير من آراء شيخه بل وكلماته وعباراته وإن لم ينسبها إليه وما صرح بنقله عن شيخه في تفسيره لا يحصى كثرة.

أقول مع معرفة العلماء بقدره واستفادتهم منه بحيث إذا أطلق القرطبي عند العلماء المتقدمين قصد به صاحبُ "المفهم" إلَّا أنَّ هذا

<<  <   >  >>