للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذاتية لله تعالى كصفة الوجه واليد ونحوها يؤدي إلى أن يكون الله مركبًا، وما كان كذلك، فهو مستلزم للحاجة والافتقار، وهذا بناءً على قياسهم الخالق على المخلوق، وبهذا وقعوا في التشبيه والتعطيل (١). ويقال في الرد عليهم:

هذا اللفظ من الألفاظ المجملة التي لبسوا بها على الناس فلابد من الاستفصال عن معناه، فيقال لهم: ماذا تريدون بلفظ المركب؟ إن أردتم به ما ركبه غيره كقوله تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (٨)} (٢) أو ما كان متفرقًا فاجتمع، كأجزاء الطعام والثوب وغيره، أو ما يقبل التفريق والانقسام. فمن ادعى أن اتصاف الله بالصفات يؤدي إلى هذا المعنى الباطل فقد كذب وافترى، أما إن قصدتم ما تميز به شيء عن شيء كالعلم عن القدرة، أو ما ركب من الذات وصفاتها، فهذا حق، لكن تسمية هذا تركيبًا اصطلاحٌ باطل، فما من موجود إلَّا ويعلم منه شيء دون شيء، والجسم الذي له صفات لا يعرف في اللغة إطلاق كونه مركبًا، فإن التفاحة التي لها لون وطعم وريح لا يعرف في اللغة إطلاق كونها مركبة من لونها وطعمها وريحها (٣)، فحجتهم صارت مبنية على مثل هذه الألفاظ المجملة، والتزام الألفاظ الشرعية مع الاستفصال عن الإجمال الواقع في المصطلحات الحادثة هو منهج السلف، وهو المنهج الحق. ثم هم يثبتون أن الله عالمٌ قادرٌ مريدٌ، فإن كانت ذاته مركبة من هذه المعاني لزم التركيب الذي ادعوه، وإن كانت عرضية لزم الافتقار الذي ادعوه.


(١) انظر: التبصير في الدين للإسفراييني ص (٩٦) والملل والنحل (١/ ١٠٥).
(٢) سورة الانفطار، آية: ٨.
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٥/ ١٤٤) والفتاوى (٦/ ١٠٩)، والصواعق المرسلة لابن القيم (٣/ ٩٣٠).

<<  <   >  >>