للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمعنى: على كما قال: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (١) أي: على جذوع النخل ويكون العلو بمعنى الغلبة، وأما من يعتقد نفي الجهة في حق الله تعالى، فهو أحق بإزالة ذلك الظاهر وإجلال الله تعالى عنه وأولى الفرق بالتأويل، وقد حصل من هذا الأصل المحقق: أن قول الجارية "في السماء" ليس على ظاهره باتفاق المسلمين فيتعين أن يعتقد فيه أنه مُعرَّضٌ لتأويل المتأولين وأن من حمله على ظاهره فهو ضالٌّ من الضِّالين" (٢).

ومع صراحة هذا الحديث وسؤال الرسول - صلى الله عليه وسلم - للجارية بأين، إلَّا أن القرطبي أنكر جواز ذلك، فقال: "الله يحكم ما يشاء ... فلا يتوجه في فعله لم وكيف؟ كما لا يتوجه عليه في وجوده أين" (٣).

وقد نقل هذا الكلام الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وسكت عنه، وتعقبه الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - فقال: "الصواب عند أهل السنة وصف الله سبحانه بأنه في جهة العلو، وأنه فوق العرش، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ويجوز عند أهل السنة السؤال عنه بأين كما جاء في صحيح مسلم" (٤).

وكذا المازري نفى علو الله تعالى عند شرحه لهذا الحديث فقال: "إنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتطلب دليلًا على أنها موحدة فخاطبها بما تفهم به قصده، إذ من علامات الموحدين التوجه إلى السماء عند الدعاء، وطلب الحوائج؛ لأن العرب التي تعبد الأصنام تطلب حوائجها من الأصنام والعجم من النيران، فأراد - صلى الله عليه وسلم - الكشف عن معتقدها: هل هي من جملة من


(١) سورة طه، آية: ٧١.
(٢) المفهم (٢/ ١٤٢ - ١٤٥) وانظر: (٣/ ١١١) (٤/ ٣٠٥).
(٣) المفهم (٦/ ٢١٦).
(٤) فتح الباري (١/ ٢٦٦). هامش (١).

<<  <   >  >>