للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ما أفاده النص دون تحريف ولا تعطيل" (١).

قال القرطبي في هاتين الصفتين: "الكبرياء والكبر: كلاهما مصدر: كبر في نفسه يكبر وأصله: من كبر السن، أو كبر الجرم، لكن صار ذلك بحكم عرف الاستعمال عبارة عن حصول كمال الذات يستلزم ترفيعًا لها على الغير، ومن ههنا كان الكبر قبيحًا ممنوعًا في حقنا واجبًا في حق الله تعالى، وبيانه: أن الكمال الحقيقي المطلق لا يصح إلَّا لله تعالى، وكمال غيره إنما هو عرض نسبي، فإذا وصف الحق نفسه بالكبر ونسبه إليه كانت النسبة حقيقة في حقه، إذ لا أكمل منه ولا أرفع، فكل كامل ناقص، وكل رفيع محتقر بالنسبة إلى كماله وجلاله، والعظمة بمعنى الكبرياء غير أنها لا تستدعي غيرًا يتعاظم عليه، كما يستدعيه الكبر كما بيَّنا، وأيضًا فقد يستعمل الكبير فيما لا يستعمل فيه العظيم فيقال: فلان كبير السن، ولا يقال: عظيم السن" (٢).

وقال في موضع آخر: "الكبرياء والعظمة من أوصاف كمال الله تعالى، واجبان له، إذ ليست أوصاف كمال الله وجلاله مستفادة من غيره، بل هي واجبة الوجود لذواتها، بحيث لا يجوز عليه العدم ولا النقص، ولا يجوز عليه تعالى نقيض شيء من ذلك، فكماله وجلاله حقيقة له، بخلاف كمالنا فإنه مستفاد من الله تعالى، ويجوز عليه العدم وطروء النقيض والنقص، فإذا كان هذا فالتكبر والتعاظم خرق منا، ومستحيل في حقنا، ولذلك حرمهما الشرع وجعلهما من الكبائر" (٣).

فالقرطبي هنا أثبت هاتين الصفتين لله تعالى كما يليق به سبحانه كما


(١) شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للغنيمان (٢/ ٥٥، ٥٦).
(٢) المفهم (١/ ٤٤٣).
(٣) المفهم (١/ ١٨٦).

<<  <   >  >>