للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أصابع الرب عز وجل بلا كيف" (١).

وقال البغوي: "والإصبع المذكور في الحديث صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل من صفات الله عز وجل كالنفس والوجه والعين واليد والرجل ... " (٢).

ومع هذه النصوص الصريحة في إثبات الأصابع لله تعالى على الوجه الذي يليق به سبحانه من غير تشبيه كما هو مذهب أهل السنة، إلَّا أن القرطبي والمازري سارا على المذهب المخالف لمذهب السلف في تأويل هذه الصفات، وصرف هذه النصوص عن ظواهرها بتأويلات بعيدة لا تحتملها ألفاظ النصوص الواردة.

قال القرطبي في شرحه للحديث الأول: "قول اليهودي: إن الله يمسك السموات على إصبع ... الحديث إلى آخره" هذا كله قول اليهودي لا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، والغالب على اليهود أنهم يعتقدون الجسمية، وأن الله تعالى شخص، ذو جوارح، كما تعتقده غلاة الحشويَّة في هذه الملة، وضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو تعجب من جهله، ألا ترى أنه قرأ عند ذلك: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} (٣) أي: ما عرفوه حق معرفته، ولا عظموه حق تعظيمه، وهذه الرواية هي الرواية الصحيحة المحققة، فأما رواية من زاد في هذا اللفظ تصديقًا له، فليست بشيء؛ لأنها من قول الراوي، وهي باطلة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصدق الكاذب، ولا المحال، وهذه الأوصاف في حق الله تعالى محال بدليل ما قدمناه غير مرة، وحاصله: أنه لو كان ذا يد وأصابع وجوارح على نحو ما هو المعروف


(١) الشريعة للآجري (٣/ ١١٥٦).
(٢) شرح السنة للبغوي (١/ ١٦٦).
(٣) سورة الزمر، آية: ٦٧.

<<  <   >  >>