للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخلة لم تثبت لأحد من البشر إلَّا لإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهذه الخلة من صفات الله عز وجل؛ لأنها أعلى أنواع المحبة، وهي توقيفية، فلا يجوز أن نثبت لأحد من البشر أنه خليل إلَّا بدليل (١).

وقد أوَّل القرطبي هذه الصفة كما أوَّل صفة المحبة فقال: "الخُلَّة: بضم الخاء "الصداقة" و"المودة ويقال فيها أيضًا: خلالة -بالضم والفتح والكسر- والخَلة بفتح الخاء: الفقر والحاجة، والخِلة بكسرها: واحدة خلل السيوف وهي بطائن أغشيتها، والخلل: الفرجة بين الشيئين، والجمع: الخلال، واختلف في الخليل -اسم إبراهيم عليه السلام- من أي هذه المعاني والألفاظ أخذ؟ فقيل: إنه مأخوذ من "الخلة" بمعنى "الصداقة"، وذلك أنه صدق في محبة الله تعالى، وأخلص فيها، حتى آثر محبته على كل محبوباته، فبذل ماله للضيفان وولده للقربان وجسده للنيران. وقيل: من الخلة التي بمعنى الفقر والحاجة، وذلك أنه افتقر إلى الله في حوائجه، ولجأ إليه في فاقته، حتى لم يلتفت إلى غيره بحيث آلت حاله إلى أن قال له جبريل وهو في الهواء حين رمي في المنجنيق: ألك حاجة؟ فقال: أمَّا إليك فلا. وقيل: من الخلل بمعنى الفرجة بين الشيئين، ذلك لما تخلل قلبه من معرفة الله تعالى ومحبته ومراقبته، حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك، وقد أشار إلى هذا المعنى بعض الشعراء فقال:

قد تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوح منّي ... ولذا سُمِّي الخليلُ خليلا (٢)

ولقد جمع هذه المعاني وأحسن من قال في الخلة: إنها صفاء


(١) شرح الواسطية لابن عثيمين (١/ ٢٣٩).
(٢) البيت لبشار بن برد المتوفى سنة (١٦٧ هـ) وفي ديوانه: وبه سمي الخليل خليلًا، انظر: ديوان بشار بن برد ص (١٨٢).

<<  <   >  >>