للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاز أن يروه في الدنيا لتساوي الوقتين بالنظر إلى الأحكام العقلية" (١).

وقد بيَّن سبب عدم رؤيته تعالى في الدانيا فقال: "الله تعالى لو كشف عن خلقه ما منعهم به من رؤيته في الدنيا لما أطاقوا رؤيته ولهلكوا من عند آخرهم، كما قال تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (٢) ويفيد أن تركيب هذا الخلق وضعفهم في هذه الدار لا يحتمل رؤية الله فيها فإذا أنشأهم الله للبقاء وقواهم حملوا ذلك" (٣).

وهذا هو الصواب الذي جاءت به الأدلة من الكتاب والسنة، وعند قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} (٤).

قال ابن القيم: "إن الله سبحانه وتعالى لم ينكر عليه سؤاله، ولو كان محالًا لأنكره عليه، ولهذا لما سأل إبراهيم الخليل ربه تبارك وتعالى أن يريه كيف يحي الموتى لم ينكر عليه، ولما سأل عيسى ابن مريم ربه إنزال المائدة من السماء لم ينكر سؤاله، ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر عليه سؤاله.

ثم إنه أجابه بقوله: لن تراني، ولم يقل لا تراني، ولا إني لست بمرئي، ولا لا تجوز رؤيتي، والفرق بين الجوابين ظاهر لمن تأمله وهذا يدل على أنه سبحانه وتعالى يرى، ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوة البشر فيها عن رؤيته تعالى ... فإذا كان الجبل لم يثبت لرؤيته في هذه الدار، فالبشر أضعف" (٥).


(١) المفهم (١/ ٤٠١ , ٤٠٢).
(٢) سورة الأعراف، آية: ١٤٣.
(٣) المفهم (١/ ٤١١).
(٤) سورة الأعراف، آية: ١٤٣.
(٥) حادي الأرواح لابن القيم (١/ ١٩٧).

<<  <   >  >>