للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"نور أنَّى أراه" (١) (٢).

والمذهب الثالث في هذا هو التوقف وعدم الجزم بصحة أحد القولين، أو ترجيح واحدٍ على الآخر، وهم ما ذهب إليه القرطبي، حيث قال: اختلف في ذلك السلف والخلف، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وجماعة من السلف، وهو المشهور عن ابن مسعود، وإليه ذهب جماعة من المتكلمين والمحدثين، وذهبت طائفة أخرى من السلف إلى وقوعه، وأنه رأى ربه بعينه، وإليه ذهب ابن عباس وقال: اختص موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - بالرؤية، وأبو ذر وكعب والحسن وأحمد بن حنبل، وحكي عن ابن مسعود وأبي هريرة في قول لهما آخر، ومثل ذلك حكي عن أبي الحسن الأشعري، وجماعة من أصحابه، وذهبت طائفة من المشايخ إلى الوقف وقالوا: ليس عليه قاطع نفيًا ولا إثباتًا، ولكنه جائز عقلًا، وهذا هو الصحيح" (٣).

وقال أيضًا: "هل وقعت رؤية الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم - الإسراء أو لم تقع؟ ليس في ذلك دليل قاطع، وغاية المستدل على نفي ذلك أو إثباته التمسك بظواهر متعارضة معرَّضة للتأويل، والمسألة ليست من باب العمليات فيكتفى فيها بالظنون، وإنما هي من باب المعتقدات، ولا مدخل للظنون فيها، إذ الظن من باب الشك؛ لأن حقيقته تغليب أحد المجوزين، وذلك يناقض العلم والاعتقاد" (٤).

والقول الصحيح الراجح في هذه المسألة هو نفي الرؤية، وأن من


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب قوله عليه السلام "نور أنى أراه" ح (١٧٨) (٣/ ١٥).
(٢) انظر رؤية الله وتحقيق الكلام فيها للدكتور أحمد بن ناصر الحمد ص (١٣٨، ١٧٠).
(٣) المفهم (١/ ٤٠١).
(٤) المفهم (١/ ٤٠٢).

<<  <   >  >>