للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الشيخ الشنقيطي: "وآية الحج تبين أن ما اشتهر على ألسنة أهل العلم من أن النبي هو من أوحي إليه وحي، ولم يؤمر بتبليغه، وأن الرسول هو النبي الذي أوحي إليه وحي، وأمر بتبليغ ما أوحي إليه، غير صحيح؛ لأن قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ} (١) يدل على أن كلًّا منهما مرسل، وأنهما مع ذلك بينهما تغاير، واستظهر بعضهم أن النبي الذي هو رسول أنزل إليه كتاب وشرع مستقل، مع المعجزة التي ثبتت بها نبوته، وأن النبي المرسل الذي هو غير الرسول هو ما لم ينزل عليه كتاب، وإنما أوحي إليه أن يدعو الناس إلى شريعة رسول قبله كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا يرسلون ويؤمرون بالعمل بما في التوراة، كما بيَّنه تعالى بقوله: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} (٢) " (٣).

والبيضاوي رحمه الله قد اختار هذا القول حيث قال في التفريق بين النبي والرسول: "الرسول من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه ومن بعث لتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهما السلام، لذلك شبه النبي - صلى الله عليه وسلم - علماء أمته بهم فالنبي أعم من الرسول" (٤).

وهذا قريب مما أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: "فالنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول، وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله فهو نبي وليس


(١) سورة الحج، الآية: ٥٢.
(٢) سورة المائدة، الآية: ٤٤.
(٣) أضواء البيان (٥/ ٢٩٠).
(٤) تفسير البيضاوي (٤/ ١٣٣).

<<  <   >  >>