للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين يدي مسيرة شهر، واعطيت الشفاعة" (١).

وقد جاء في بعض الأحاديث: "أعطيت ثلاثًا" وجاء في حديث آخر: "أعطيت ستًّا" وقد بيَّن القرطبي أنه لا تعارض بين هذه الأحاديث، فقال: "لا يظن القاصد (٢) أن هذا تعارض، وإنما يظن هذا من توهم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر، وأنها لها دليل خطاب، وكل ذلك باطل، فإن القائل عندي خمسة دنانير -مثلًا- لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها، ويجوز له أن يقول تارة أخرى: عندي عشرون، وتارة أخرى: عندي ثلاثون، فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين وعشرة، فلا تناقض ولا تعارض، ويجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أُعلِم في وقت بالثلاث، وفي وقت بالخمس، وفي وقت بالست، والله تعالى أعلم" (٣).

وقد بيَّن القرطبي أن هذه المذكورات من الخصائص التي تميز بها - صلى الله عليه وسلم - عن غيره من المرسلين، فقال: "قوله: "وبعثت إلى الأحمر والأسود" يعني كافة الخلق، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} (٤). وقوله: "جعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا" وهذا مما خصَّ الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وكانت الأنبياء قبله إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة، كالبيَع والكنائس. وقوله: "واحلت لي الغنائم " هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام، وإنما كانت الغنائم قبله تجمع، ثم تأتي نار من السماء فتأكلها. و"الرعب" الفزع، والشفاعة الخاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هي الشفاعة


(١) رواه البخاري في كتاب التيمم ح ٣٣٥ (١/ ٥١٩)، ومسلم في كتاب المساجد، ومواضع الصلاة ح ٥٢١ (٥/ ٦).
(٢) هكذا في الأصل ولعلها: القاصر.
(٣) المفهم (٢/ ١١٥).
(٤) سورة سبأ، الآية: ٢٨.

<<  <   >  >>