للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مغربها، والدجال، ودابة الأرض" (١).

قال القرطبي عن هذه الآية: "أما الدابة فهي التي قال الله فيها: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} ذكر أهل التفسير: أنها خلق عظيم تخرج من صدع الصفا، لا يفوتها أحد تسِمُ المؤمن فينير وجهه، ويكتب بين عينيه مؤمن، وتسم الكافر فيسود وجهه، ويكتب بين عينيه كافر، وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن هذه الدابة هي الجسَّاسة المذكورة في الحديث، وعن ابن عباس: أنها الثعبان الذي كان ببئر الكعبة فاختطفته العقاب (٢)، وقد اختلف في صورتها، وفي أي موضع تخرج منه على أقوالٍ كثيرة، وليس في شيء من ذلك خبر صحيح مرفوع، قال بعض المتأخرين من المفسرين: الأقرب أن تكون هذه الدابة: إنسانًا متكلمًا يناظر أهل البدع والكفر ويجادلهم لينقطعوا فيهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة.

قلت -أي القرطبي-: وإنما كان هذا عند القائل الأقرب لقوله تعالى: {تُكَلِّمُهُمْ} وعلى هذا فلا يكون في هذه الدابة آية خاصة خارقة للعادة، ولا تكون من جملة العشر الآيات المذكورة في الحديث (٣)؛ لأن وجود المناظرين والمحتجين على أهل البدع كثير فلا آية خاصة، فلا ينبغي أن تذكر مع العشر وترتفع خصوصية وجودها، فإذا وقع القول ثم: فيه العدول عن تسمية هذا الإنسان المناظر الفاضل العالم الذي يحتج على أهل الأرض باسم الإنسان أو بالعالم، أو بالإمام، إلى أن يسمى


(١) رواه مسلم في كتب الإيمان، باب بيان الزمان الذي لا يقبل فيه الإيمان ح ١٥٧ (٢/ ٥٥٣).
(٢) انظر: سيرة ابن هشام (١/ ١٩٣)، والتذكرة للقرطبي ص (٧٨٧)، وفتح القدير للشوكاني (٤/ ١٥١).
(٣) سبق تخريجه ص (٧٨٦).

<<  <   >  >>