للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن معنى حياة الشهداء أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم بأن جعلت في جوف طير كما في هذا الحديث، أو في حواصل طير خضر، كما في الحديث الآخر، صيانة لتلك الأرواح، ومبالغة في إكرامها لاطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم ... وأما اللذات الجسمانية، فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله تعالى لها، وهذا مخصوص بالشهداء" (١).

ورجَّح القرطبي تخصيص هذا بالشهيد، وأما المؤمن غير الشهيد، فلا تكون روحه في الجنة، بل يطَلِع على منزلته في الجنة دون أن يباشر هذا أو يشاهده، وروح الكافر كذلك تشاهد ما أُعد لها من العذاب، وتتألم بذلك حيث قال: "قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في ثمر الجنة" فالمراد بالمؤمن هنا: الشهيد ... وقد دلَّ على صحة هذا قوله في الحديث الآخر: "إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده غدوةً وعشيًا: إمالنار وإما الجنة فيقال: هذا مقعدك حتى تبعث إليه" (٢) فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يعرض عليه مقعده من الجنة، وهو في موضعه من القبر أو الصُّور أو حيث شاء الله تعالى غير سارح في الجنة، ولا داخل فيها، وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد، فإنه يباشر ذلك ويشاهده، وهو فيها على ما تقدم، وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند عرضِ ذلك عليها، كما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (٤٦)} (٣) وعند هذا العرض تدرك روح الكافر من الألم والتخويف والحزن والعذاب بالانتظار


(١) المفهم (٣/ ٧١٥).
(٢) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب سكرات الموت ح ٦٥١٥ (١١/ ٣٦٩).
(٣) سورة غافر، الآية: ٤٦.

<<  <   >  >>