للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما ذهب إليه من تفضيله التفرغ للعبادة على الزواج، فبعد ذكره لأقوال القائلين بتفضيل الزواج على التفرغ منه للعبادة قال: "وحديث أنس وسهيل يدلان على أن التزويج أفضل من التفرغ للعبادة، وهو أحد القولين المتقدمين، ويمكن أن يقال كان ذلك في أول الإسلام، لِمَا كان عليه النساء من المعونة على الدين والدنيا، وقلة الكلفة، والتعاون على البر والتقوى، والحنو والشفقة على الأزواج، وأما في هذه الأزمان فنعوذ بالله من الشيطان والنسوان، فوالله الذي لا إله إلَّا هو لقد حلت العزبة والعزلة بل وتعين الفرار من فتنتهن والرحلة، ولا حول ولا قوة إلَّا بالله" (١).

وقال أيضًا في شرحه لدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأنس بن مالك -رضي الله عنه- بقوله: " اللهُمَّ أكثِرْ مالَهُ وَوَلَدَهُ" (٢).

قال: "يدل على إباحة الاستكثار من المال والولد والعيال، لكن إذا لم يشغلك ذلك عن الله تعالى، ولا عن القيام بحقوقه، لكن لما كانت سلامة الدين مع ذلك نادرة، والفتن والآفات غالبة، تعين التقلل من ذلك، والفرار مما هنالك، ولولا دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنس بالبركة لخيف عليه من الإكثار الهلكة، ألا ترى أن الله تعالى قد حذَّرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبَّه على المفاسد الناشئة من ذلك، فقال: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ} (٣).

وصدر الكلام بإنما الحاصرة المحققة، فكأنه قال: لا تكون


(١) المفهم (٤/ ٨٩).
(٢) رواه البخاري في كتاب الدعوات، باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة ح/ ٦٣٧٨ (١١/ ١٨٦)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أنى بن مالك رضي الله عنه ح/ ٢٤٨٠ (١٦/ ٢٧٢).
(٣) سورة الأنفال، الآية: ٢٨.

<<  <   >  >>