وإن كان الأول فإما إن يرجح أحدهما أو لا. فالأول يستلزم تصويب صاحبه وتخطئة غيره. والثاني يلزم تساقطهما وتخطئتهما جميعا.
وأجاب بأنه على كل منهما أمارة والأمارات ترجح بالنسب إلى الأشخاص وكل أمارة تترجح بالنسبة إلى من يقول بها.
وحاصله اختيار النسق الأول من الترديد ونفي استلزامه لما ذكره وذلك لأنه إنما يلزمه ذلك أن لو كان أحد الدليلين مرجحا على غيره مطلقا.
وأما إذا كان مرجحا بالنسبة إلى من يقول به فلا يلزم ذلك.
الثاني: أن الإجماع منعقد على شرعية المناظرة وفائدتها تبيين الصواب لأن الأصل عدم الغير ولو كان كل مجتهد مصيبا لم يشرع لعدم فائدتها.
وأجاب بجواز أن تكون الفائدة بيان ترجح أحد الأمارتين على الأخرى أو تساويهما أو تمرين النفس لاستنباط الأحكام.
ولقائل أن يقول ترجح إحدى الأمارتين ليس مقصودا لذاته فيكون لتبين " للصواب " لأن الأصل عدم غيره. وأما بيان التساوي فليس بمقصود أصلا , وتمرين النفس للاستنباط إن كان لتبين الصواب ثبت المدعى وإن لم يكن فهو مستغني عنه لأن كل ما أدى إليه اجتهاد كل مجتهد إذ ذاك صواب فلا حاجة إلى التمرين.
والثالث: أن المجتهد طالب وكل طالب لا بد له من مطلوب موجود لاستحالة طلب المعدوم فمن وجد ذلك المطلوب فهو المصيب فكان المصيب واحدا.
وأجاب بما معناه سلمنا ذلك لكن لا يلزم أن يكون ذلك المطلوب واحدا فإن المصوبة تقول بتعدده واختلافه فمطلوب كل منهم ما يغلب على ظنه أنه حكم الله في الحادثة وهو موجود في الذهن ولا حاجة إلى تعينه في نفس الأمر فمن ذهب اجتهاده إلى شيء وهو مطلوبه وهو حكم الله عنده فكان كل مجتهد مصيباً.