ولما كان الدور تسلسلا في الأمور المتناهية استغنى بذكر التسلسل عن ذكره، وفيه نظر؛ لأن بطلان الدور ليس من جهة التسلسل حتى يكون مجرد ذكره مغنيا بل من جهة توقف معرفة الشيء على نفسه وتلك جهة أخرى لا يستغنى عن ذكرها.
وأما الأمارات فهي مركبة من الظنيات الصرفة أو من الاعتقاديات الصرفة أو مختلطة منهما، أو من واحدة منهما ومن القطعيات. فهي ظنية لا محالة أو اعتقادية، وهما لا يفيدان إلا ظنية أو اعتقادية لا مطلقا بل بشرط أن لا يمنع مانع؛ إذ ليس بين الظن والاعتقاد اللذين هما نتيجتا الأمارات وبين "أمر"، أي من الأمارات ربط عقلي يستلزم استلزام الأمارات لنتائجها، إذ لو كان لما زال الظن والاعتقاد لقيام موجبهما، لكنهما يزولان تماما إذا شاهدنا مركوب القاضي وخدمه على باب دار حصل لنا الظن بحضور القاضي فيها، فإذا دخلتا الدار ولم يكن بها زال الظن المذكور مع قيام موجبه، وهذا مانع حسى. وقد يكون عقليا كالدليل الدال على أن بعض الموجودات ليس بمحسوس فإنه مانع للازم الأمارات الدالة على أن كل موجود محسوس وهي المشاهدة.
ولقائل أن يقول: الأمارات تفيد الظن لا بقاءه وهي في ذلك لا تحتاج إلى ربط عقلي، بل يكفي كونها مخيلا، ولا مانع لها عن ذلك إذا وجدت الإخالة، وزواله