الرجل الشجاع فإن إلى فهم السامع غيره لا محالة فكان مجازا، وإن أراد الهيكل المفترس لم يسبق إلى فهمه غيره فكان حقيقة.
وقيل: قوله:"عكس الحقيقة" يستغنى عنه؛ لأنه في بيان المجاز، ولعله ذكره تمهيدا للإيراد الذي أورده ومع ذلك كان تركه أولى تفاديا عن احتياجه إلى الجواب عنه.
وتقرير الإيراد: أن التعريف المذكور للحقيقة غير منعكس؛ لأن اللفظ المشترك إذا أطلق وأريد أحد المعاني بدون قرينة فربما يسبق إلى ذهن السامع معناه الآخر مع كونه حقيقة في كل من مدلولاته ولا يكاد الجواب يتم؛ لأن المجيب إن التزم أن المشترك موضوع لكل واحد من معانيه فهو حقيقة، فليس له جواب عن هذا السؤال.
وإن التزم ما ذهب إليه بعض من أن المشترك حقيقة بالنسبة إلى أحد مفهوميه لا على التعيين، فلا يتبادر إلى الفهم إلا أحدهما لا على التعيين عند الاطلاق بدون القرنية لزم محذور آخر، وهو: أن يكون المشترك (٣٣/ب) في كل من المعنيين مجازا، وحاصله أن تبادر المراد إلى الفهم لا يصح أن يكون؛ لأنه قد يتبادر إليه غيره وهو حقيقة، أي علامة للحقيقة.
ولقائل أن يقول: يجوز أن يلتزم صاحب هذا الرأي أن المشترك مجاز في كل من المعنيين فإنه إن لم يلتزم ذلك لم يتم له الجواب؛ لأنه إذا أطلق المتكلم المشترك وأراد أحد المعاني وتبادر إلى ذهن السامع أحدهما لا على التعيين صدق عليه أنه تبادر إليه غير المدلول؛ لأن أحدهما لا بعينه غير كل من المعيين فيعود السؤال، وكان الحق على المصنف أن لا يذكر قوله:"عكس الحقيقة"، لئلا يرد عليه النقيض بالمشترك.
فإن قيل: النقض وارد على المجاز -أيضا؛ فإن المتكلم إذا أراد أحد معاني المشترك جاز أن يسبق إلى ذهن السامع المعنى الآخر، فيكون مجازا في الأول، وليس كذلك.