من الأئمة المجتهدين، أجمعوا على ما لا قطع فيه، أي كل مسألة فيها دليل قاطع يجوز فيه الاجتهاد.
ولو كان إجماع غيرهم صحيحاً لزم مخالفة إجماع الصحابة، وتعارض الإجماعين، واللازم باطل بالإجماع فالملزوم كذلك.
وبيان الملازمة: أن التابعين لو أجمعوا على مسألة اجتهادية لما جاز الاجتهاد فيها بعد إجماعهم، فيلزم مخالفة إجماع الصحابة لأن إجماعهم على الاجتهاد في كل مسألة اجتهادية جائز، ويلزم تعارض الإجماعين، أحدهما إجماع الصحابة على جواز الاجتهاد فيها، والآخر إجماع غيرهم على أنه لا يجوز الاجتهاد فيها.
وأجيب: بأن لذلك لازم في إجماع الصحابة ــ أيضاً؛ لأنهم قبل الإجماع على الحكم أجمعوا على جواز الإجتهاد فيه، وبعد إجماعهم لا يجوز الاجتهاد فيه، فلزم مخالفة إجماعهم، وتعارض إجماعهم وإذا كان كذلك كان الخلاص بأن يقال: إجماعهم على جواز الاجتهاد فيما لا قاطع فيه مشروط بعد الإجماع بعده، وإذا أجمع التابعون بعده زال شرطهم إجماعهم الأول، فيزول الإجماع الأول، فلا يلزم المخالفة، ولا تعارض الإجماعين.
ولقائل أن يقول: لا نسلم لزوم ذلك في إجماع الصحابة؛ لأنهم أجمعوا على جواز الاجتهاد فيما لا قاطع فيه، وإذا أجمعوا على الحكم وجد القاطع فيه فانتفى شرط جواز الاجتهاد فيه، فلا يلزم المخالفة ولا تعارض الإجماعين.
لا يقال: المراد بالقاطع النص القاطع؛ لأن قطعية دلالة النص غير قطعية كما تقدم.
وقالوا ــ أيضاً ــ لو اعتبر إجماع غير الصحابة، لاعتبر مع مخالفة الصحابة، يعني إذا كان في المسألة خلاف بين الصحابة، ثم أجمع التابعون، وجب أن ينعقد الإجماع؛ لأنه كما انعقد إجماعهم مع عدم قول الصحابة فيها فلأن ينعقد معه أولى.