وبأن مثل هذا الاتفاق واقع، كما مرّ، والوقوع دليل الجواز وقال غيره من القائلين: بالامتناع، لو وقع ذلك لكان حجة للدلائل السمعية الدالة على عصمة الأمة من الخطأ، ولو كان حجة لتعارض إجماع العصر الأول على تجويز كل من القولين؛ لأن استقرار خلافهم على القولين يدل على إجماعهم على تجويز كل منهما.
وإجماع العصر الثاني على أحد القولين؛ فإنه يدل على عدم تجويز القول الآخر.
وأجاب: بمنع الإجماع الأول، فإن اتفاقهم إجماع على عدم جواز إحداث قول ثالث. لا على أن العمل بكل منهما جائز، بل كل منهما يدعي أن العمل بغير ما ذهب إليه غير جائز.
ولو سُلِّمَ أن اختلافهم على القولين دليل على إجماعهم على جواز الأخذ بكل منهما، لكن لا نسلم تعارض الإجماعين؛ لأن الإجماع الأول مشروط بانتفاء القاطع الذي هو الإجماع الثاني، كما لو لم يستقر خلافهم فإنه يدل على إجماعهم على تسويغ كل منهما بشرط انتفاء القاطع الذي هو الإجماع. وإذا كان الإجماع الأول مشروطاً بانتفاء القاطع زال عند الإجماع الثاني، لزوال شرطه، فلا تعارض بينهما.
ولقائل أن يقول: أمّا المنع فهو صحيح، وأمّا التنزل بأن الأول إجماع بشرط انتفاء القاطع، وهو الإجماع الثاني، فليس بصحيح؛ لأن الإجماع الذي سبقه خلاف ليس بقاطع.
ص ــ المجوّز: وليس بحجة. لو كان حجة لتعارض الإجماعان. وقد تقدم.
قالوا: لم يحصل الاتفاق.
وأجيب: بأنه يلزم إذا لم يستقر خلافهم.
قالوا: لو كان حجة لكان موت الصحابي المخالف يوجب ذلك؛ لأن الباقي كل الأمة الأحياء.