يعرف ما هو سبب الجرح عند الجارح مع جواز أن يكون ما هو عند الجارح سبب، لا يكون سبباً عند المجتهد، لزم تقليد المجتهد الجارح في ذلك، وذلك غير جائز على ما سيأتي.
وهذا بخلاف أسباب التعديل، فإنها لكثرتها لا تنضبط فلا يمكن ذكرها فيكتفي فيه بالإطلاق.
وفيه نظر؛ لأن فرض العدالة يقتضي أن يكون الجرح بما هو سبب متفق عليه، وإلا كان مدلساً.
واستدل من قال بعكس مذهب الشافعي: بأن العدالة متلبسه يتعسر الاطلاع عليها؛ لكثرة التصنع فربما يظهر الرجل صلاحية بالتصنع. بخلاف الجرح فإنه لا يمكن التصنع فيه. فلا بد في العدالة من ذكر سببها، لدفع الإلتباس. فلا يجب ذكره في الجرح لعدم الالتباس.
وفيه نظر؛ لأن من امتثل الأوامر واجتنب النواهي كان عدلاً، وإظهار الصلاحية غير قادح، إلا إن كان على خلاف ما في باطنه، وذلك أمر لا يطلع عليه.
واحتج الإمام بأن المعدل أو الجارح إن كان غير عالم، ولم يذكر السبب فيهما يكون قوله موجباً للشك؛ لأنه إذا كان غير عالم، احتمل أن يجعل ما هو موجب للجرح موجباً للعدالة، وبالعكس. فلم يحصل الجرح والتعديل بتعديله وجرحه.
ولقائل أن يقول: التعديل عند عدم العلم بأسباب العدالة ممن فُرِضَ عدلاً غير متصوّر، والإقدام على الجرح والتعديل ممن لا يعلم أسبابه قادح في عدالته، فكان وجه الإمام ضعيفاً في جانبيه.