الثالث: أن جبريل - عليه السلام - في ابتداء الوحي نزل إلى الرسول - عليه السلام - وقال:(اقرأ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما أقرأ " وكرر جبريل - عليه السلام - ثم قال:(اقرأ باسم ربك الذي خلق) ودلالته على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب لا يخفي فإنه لو لم يجز لما أخره عن المرة الأولى.
وفيه نظر لأنه إنما يتم أن لو كان ما للاستفهام لم لا يجوز أن تكون نافية ويكون معنى قول جبريل أوجد القراءة وهو لا يحتاج إلى بيان ولأنه يجوز أن يكون الأول والثاني قول جبريل خاطبه به تمرينا لسمعه والثالث يكون المرسل هو به ولا تأخير فيه ولأنه لو كان بيانا لدل على جواز تأخيره عن وقت الحاجة فإنه - عليه السلام - كان محتاجا إلى معرفة ما أمر به من القراءة.
واعترض بأن الأوامر المذكورة متروكة الظاهر فلا يصح التمسك بها اتفاقا وذلك لعدم إمكان إجرائها على ظواهرها لأن إجراءها عليها يجوز تأخير بيانها وهو ممتنع لأن الأمر إما للفور أو للتراخي والأول يمتنع فيه تأخير البيان عم وقت الخطاب لأنه وقت الحاجة. والثاني يفيد جوازه في الوقت الثاني فيمتنع تأخيره عن ذلك الوقت ومعناه أن أمر التراخي يفيد جواز تأخيره إلى الوقت الثاني لا وجوب تأخيره فيجوز الفعل في أول وقت الخطاب وذلك وقت الحاجة إذ ذاك فلا يجوز تأخيره عنه.
وأجاب بأن الأمر قبل البيان لا يجب به شيء فلا يفيد الفور والتراخي. قال: وذلك كثير أي الأمر الذي لم يجب به شيء كثير في العرف كقول الرجل لعبده: افعل مطلقا فإنه لا يجب بمجرد هذا القول على العبد قبل البيان شيء.