السَّادِسُ: لَوْ تَرَافَعَ الْمُتَبَايِعَانِ إلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ أَوْ مَالِكِيٍّ وَتَنَازَعَا عَلَى وَجْهٍ يَقْتَضِي التَّحَالُفَ فَحَكَمَ بِتَحَالُفِهِمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ حُكْمًا بِالْإِلْزَامِ لَا بِصِحَّةِ التَّحَالُفِ، فَالتَّحَالُفُ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ، وَكَذَا كُلُّ يَمِينٍ وَإِلْزَامٍ فِيمَا لَمْ يَقَعْ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ إلَّا بِالْإِلْزَامِ، وَهُوَ مُوجِبُ الْحُجَّةِ الْقَائِمَةِ، وَلَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ.
السَّابِعُ: لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ، وَلَكِنْ يَكُونُ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا لَهُ بِالْمِلْكِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُ بَعْدَ الْقَبْضِ حُصُولُ الْمِلْكِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَمُوجِبَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ بَعْدَ الْفَوَاتِ حُصُولُ الْمِلْكِ عَلَى مَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِيمَا يَفُوتُ بِهِ الْبَيْعُ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ عَرَفَ الْحَاكِمُ فَسَادَ الْبَيْعِ وَحُصُولَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي أَوْ فَسَادَ الْبَيْعِ وَفَوَاتَ الْمَبِيعِ بِيَدِهِ، وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ بِالْمِلْكِ أَوْ بِمُوجِبِ مَا جَرَى، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِذَلِكَ، أَعْنِي بِالْمُوجِبِ، وَلَا يَحْكُمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ أَعْنِي صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَلَا بِصِحَّةِ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْأَصْلِ قَبْضًا صَحِيحًا.
الثَّامِنُ: يُتَصَوَّرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ صُوَرِ الْقَبْضِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِي قَبْضِ الْمُخْتَلَفِ فِي صِحَّتِهِ وَفَسَادِهِ كَمَا إذَا أَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَكِيلَ لِنَفْسِهِ مَا اشْتَرَاهُ مَكِيلًا فَفَعَلَ فَإِنَّ فِي صِحَّةِ الْقَبْضِ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَصِحُّ. قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَوْ اشْتَرَى قَمْحًا مَثَلًا وَشَرَطَ فِيهِ الْكَيْلَ، وَكَانَ الْبَائِعُ قَدْ اشْتَرَاهُ مَكِيلًا وَهُوَ فِي مِكْيَالِ الْبَائِعِ، فَهَلْ يُغْنِي ذَلِكَ عَنْ التَّجْدِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ. رَجَّحَ جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِهِ، وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ جَوَازُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ اللَّخْمِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ فِي السَّلَمِ الثَّانِي. فَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَارْتَفَعَتْ قَضِيَّةٌ مِنْ هَاتَيْنِ أَعْنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا لِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ مَثَلًا، فَحَكَمَ بِصِحَّةِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفَ الَّذِي لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بَعْدَ صِحَّةِ الْقَبْضِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْقَبْضِ، وَلَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الْقَبْضِ بِطَرِيقِهِ صَحَّ، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْقَبْضِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمُعْتَقَدِهِ فِي الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُفِيدًا لِصِحَّةِ الْقَبْضِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ.
قَالَ: إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ الْحَاكِمُ عَقِيدَتَهُ فِي الْقَبْضِ، وَيَقُولُ: حَكَمْت بِمُوجِبِ الْقَبْضِ فِي ذَلِكَ عَلَى مُعْتَقِدِي، فَلَوْ كَانَ مُعْتَقَدُ الْحَاكِمِ أَنَّ الْقَبْضَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute