وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَمَالَ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا يُكْتَبَ عَلَى ظُهُورِ الْكُتُبِ الْحُكْمِيَّةِ وَهُوَ صَحَّ وُرُودُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْته قَبُولَ مِثْلِهِ، وَأُلْزِمْت الْعَمَلَ بِمُوجِبِهِ لَيْسَ بِحُكْمٍ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ تَصْحِيحُ الْكِتَابِ وَإِثْبَاتُ الْحُجَّةِ، قَالَ وَاَلَّذِي وَقَفْت عَلَيْهِ فِي كِتَابِ أَبِي سَعِيدٍ وَأُلْزِمْت الْعَمَلَ بِمَضْمُونِهِ لَا بِمُوجِبِهِ.
قَالَ: وَنَحْنُ نَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا فَنَقُولُ إذَا أَعَدْنَا الضَّمِيرَ عَلَى الْكِتَابِ صَحَّ مَا قَالَاهُ؛ لِأَنَّ مَضْمُونَ الْكِتَابِ وَمُوجِبَهُ مَعْنَاهُمَا صُدُورُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ إنْشَاءٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِزَوْدٍ فَلِذَلِكَ صَوَّبَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، إذَا أُرِيدَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ اُحْتُمِلَ أَنَّهَا مُرَادُ الْحَاكِمِ، أَمَّا إذَا حَكَمَ بِمُوجِبِ الْإِقْرَارِ أَوْ بِمُوجِبِ الْوَقْفِ فَلَيْسَ مُوجِبُهُ إلَّا كَوْنَهُ وَقْفًا، وَكَوْنُ الْمُقِرِّ بِهِ لَازِمًا، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مُوجِبُهُ يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ اللَّفْظَ الصَّحِيحَ يُوجِبُ حُكْمَهُ وَاللَّفْظَ الْفَاسِدَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا، نَعَمْ قَدْ يَكُونُ لَفْظٌ يَحْتَمِلُ مُوجِبَيْنِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُبَيِّنَ فِي حُكْمِهِ مَا أَرَادَهُ، وَإِبْهَامُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، إلَّا أَنْ يَخْشَى مِنْ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ يُرِيدُهُ فَيَكْتُبَ لَهُ لِيُسَجِّلَ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمِ بِمُوجِبِهِ أَوْ مَضْمُونِهِ، وَمُرَادُهُ إعَادَةُ الضَّمِيرِ فِي مُوجِبِهِ وَمَضْمُونِهِ عَلَى الْكِتَابِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَفْعَلُ ذَلِكَ مُدَافَعَةً لَهُ، فَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ مُرَادِهِ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ، وَبِدُونِ ذَلِكَ لَا يُحْمَلُ حُكْمُ الْقَاضِي إلَّا عَلَى الْبَيَانِ الْوَاضِحِ، وَمَتَى حَصَلَ التَّرَدُّدُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ مِثْلُ الْهِبَةِ هَلْ مُجَرَّدُ الْقَوْلِ فِيهَا يَكْفِي فِي اللُّزُومِ وَنَقْلِ الْمِلْكِ أَوْ لَا يَكْفِي؟ . حَتَّى يَكُونَ الْوَاجِبُ صَحِيحًا حَائِزًا.
وَمِثْلُ التَّبَرُّعِ فِي الطَّاعُونِ هَلْ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْقَاضِي حَكَمْت بِمُوجِبِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الْحُكْمُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُرْجَعُ إلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي فَيُحْمَلُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَصُونَ حُكْمَهُ عَنْ ذَلِكَ وَيُبَيِّنَ مَقْصُودَهُ، ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَكَلَامُنَا إذَا حَكَمَ بِمُوجِبِ وَقْفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إقْرَارٍ وَنَحْوِهِمَا فَهُوَ حُكْمٌ عَلَى الْعَاقِدِ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ نَقْضُهُ لِاقْتِضَاءِ مَذْهَبِهِ بُطْلَانَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمِنْ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ أَنْ يَحْكُمَ بِالثُّبُوتِ وَحَقِيقَتُهُ حُكْمٌ بِتَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَسَمَاعِهَا، وَفَائِدَتُهَا عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِيهَا وَجَوَازِ التَّنْفِيذِ فِي الْبُلْدَانِ فَإِنَّ فِي تَنْفِيذِ الثُّبُوتِ فِي الْبَلَدِ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانِهِ بِحُكْمٍ خِلَافًا، فَإِذَا صَرَّحَ بِالْحُكْمِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ جَازَ التَّنْفِيذُ فَهُمَا فَائِدَتَانِ، قَالَ: وَقَدْ تَوَسَّعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute