للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَالْحَقُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ حُكْمًا بِالثَّابِتِ، بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمًا بِثُبُوتِهِ يَعْنِي لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ وَصُدُورِهِ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ فِي (الْفَرْقِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ) وَقَدْ يَقَعُ فِي لَفْظِ الْحُكَّامِ لِيُسَجِّلَ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمِ بِمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ (فَمَا) إنْ كَانَتْ مَصْدَرِيَّةً فَهُوَ كَقَوْلِهِ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَوْصُولَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ كَإِثْبَاتِ جَرَيَانِ الْعُقُودِ الْمَشْهُودِ بِهَا، وَجَعَلَ الثُّبُوتَ حُكْمًا فِيمَا إذَا كَانَ الثَّابِتُ هُوَ الْمَعْقُودَ أَقْوَى مِنْهُ فِيمَا إذَا كَانَ الثَّابِتُ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ، وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ: ثَبَتَ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ، وَقَدْ يُرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَالْكُلُّ ضَعِيفٌ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُضِيفَ الثُّبُوتَ إلَى الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ وَقْفٌ أَوْ مِلْكُ فُلَانٍ، أَوْ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَةُ فُلَانٍ، فَهَذَا مِثْلُ الْحُكْمِ، فَلَا يُمْكِنُ التَّعَرُّضُ لِنَقْضِهِ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ أَنَّ مُسْتَنَدَهُ جَرَيَانُ عَقْدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَحِينَئِذٍ يَعُودُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ أَوْ لَا، وَيَقْوَى جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ. فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ حُكْمٌ امْتَنَعَ عَلَى حَاكِمٍ آخَرَ إبْطَالُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ لَا يَمْتَنِعُ، وَمَنْ يَقُولُ بِنَقْضِ حُكْمِ الْقَاضِي بِلَا وَلِيٍّ لَمْ يَمْتَنِعْ عِنْدَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا، وَلَوْ لَمْ يُصَرِّحْ الْقَاضِي بِبَيَانِ السَّبَبِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهَا زَوْجَةٌ وَعَلِمَ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى أَنَّ مُسْتَنَدَهُ تَزْوِيجُهَا نَفْسَهَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ صَعْبٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ جَاءَ وَلِيُّهَا فَجَدَّدَ عَقْدَهَا بِحُضُورِهِ فِي غَيْبَةِ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالثُّبُوتِ الْمُطْلَقِ، وَبِتَزْوِيجِهِ نَفْسَهَا وَإِنْ كَانَ احْتِمَالًا بَعِيدًا.

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقْتَرِنَ بِالثُّبُوتِ حُكْمٌ وَأَلْفَاظُ الْحُكْمِ مُتَعَدِّدَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مَا بَقِيَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحِينَئِذٍ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ، فَمَتَى كَانَ فِي مَحَلٍّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ اخْتِلَافًا قَرِيبًا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي، وَلَمْ يَكُنْ بَنَاهُ عَلَى سَبَبٍ بَاطِلٍ لَمْ يُنْقَضُ بِحَالٍ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ فِي ذَلِكَ إذَا صَرَّحَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، هَذَا فِيمَا إذَا حَكَمَ بِالصِّحَّةِ، وَإِنْ حَكَمَ بِالْمُوجِبِ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَمِنْ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ لِيُسَجِّلَ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ، فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الثُّبُوتِ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُكْمِ بِالثُّبُوتِ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الثَّابِتِ عِنْدَهُ فَهُوَ مَاضٍ وَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ إيجَابٍ أَوْ مَنْعٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَإِذَا قَالَ: حَكَمْت بِأَنَّ هَذَا بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ وَقَفَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَمَعْنَاهُ حَكَمْت بِأَنَّهُ ثَبَتَ

<<  <  ج: ص:  >  >>