للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا، فَقَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِوُجُوهٍ وَإِقْدَامُ الشَّاهِدِ عَلَى ذَلِكَ أَمْرٌ قَادِحٌ وَغَلَطٌ وَاضِحٌ.

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يَأْتِيَ الرَّجُلُ قَوْمًا بِوَثِيقَةٍ كَتَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ لِرَجُلٍ غَائِبٍ، فَيُشْهِدُهُمْ فِيهَا لَا أَرَى أَنْ يَشْهَدَ فِيهَا لِأَنِّي أَخَافُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى نَفْسِهِ لِلْغَائِبِ فَيَسْتَوْجِبَ مُخَالَطَتَهُ، فَيُحَلِّفَهُ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ يَحْيَى.

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ يُشْهِدَهُ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ فَيُرِيدُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِتَعْرِيفِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُ غَيْرَ مَعْرُوفٍ أَوْ لَا يَجُوزُ قَبُولُ قَوْلِهِ فِي شَيْءٍ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الْجُرْأَةِ فِي الْإِقْدَامِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ صَحَّ دِينُهُ وَرَاقَبَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَصْرِفَ كُلَّ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ فِي الشَّهَادَةِ إلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْرِفُهُ مَهْمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ، فَإِنْ اضْطَرَّهُ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ أَمِيرٌ أَوْ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، فَلْيَكُنْ الْمُعَرِّفُ رَجُلَيْنِ فَصَاعِدًا مِمَّنْ يَرْضَى دِينَهُمَا وَيَسْتَجِيزُ شَهَادَتَهُمَا وَيُسَمِّيهِمَا، فَيَكُونُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، أَوْ يَتَقَرَّرُ عِنْدَهُ مِنْ تَرَادُفِ التَّعْرِيفِ وَقَرِينَةِ الْحَالِ مَا يَأْمَنُ التَّدْلِيسَ مَعَهُ، كَمَا لَوْ اسْتَظْهَرَ بِسُؤَالِ مَنْ لَا يَفْهَمُ غَرَضَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا حَضَرَ أَوَّلَ الْأَمْرِ، بِحَيْثُ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ التَّعْرِيفِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ لَهُ أَنَّ الْكَشْفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَشِبْهِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِهِ فِي حُكْمِ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ عُدُولٌ؛ لِأَنَّهُ عِلْمٌ اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ بِالضَّرُورَةِ، وَلَا بُدَّ لَهُ مَعَ ذَلِكَ فِي تَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ بِهِ عَلَى وَجْهِ كَذَا وَكَذَا، فَيَذْكُرُ الْمُعَرِّفِينَ إنْ كَانُوا عُدُولًا، وَالْوَجْهُ الَّذِي تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِهِ عِنْدَهُ. وَإِذَا كَانَ التَّعْرِيفُ عَلَى غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُقْبَلُ، وَذَلِكَ ضَلَالٌ مُبِينٌ وَتَدْلِيسٌ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ.

وَمِنْ ذَلِكَ: إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ بِدَعْوَى فَلَمْ يُنْكِرْ الْخَصْمُ دَعْوَاهُ وَلَا أَقَرَّ بِهَا، بَلْ قَالَ عَقِيبَ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ: وَأَنَا لِي أَيْضًا عَلَيْكَ مَالٌ أَوْ شَيْءٌ سَمَّاهُ، فَقَالَ الْمُدَّعِي لِمَنْ سَمِعَ كَلَامَهُ اشْهَدُوا لِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَقَدْ سُئِلَ الْمَازِرِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْتِزَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>