للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُسَاوِيهِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِلَّا نَظَرْت لَهُ وَسَمِعْت مِنْهُ وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَيْك وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْك، فَإِنْ فَعَلَ نَظَرَ لَهُ، قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمُتَيْطِيُّ: وَقِيلَ لَا يُسَوِّي بَيْنَهُمَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَاوُوهُمْ فِي الْمَجْلِسِ» قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ أَشْيَاخِي تَمْيِيزَ رُتْبَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الذِّمِّيِّ «لِنَهْيِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ فِي الْمَجَالِسِ» ، وَذَكَرَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَاصَمَ يَهُودِيًّا عِنْدَ الْقَاضِي شُرَيْحٍ فَجَلَسَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي صَدْرِ الْمَجْلِسِ وَجَلَسَ شُرَيْحٌ وَالذِّمِّيُّ دُونَهُ.

وَقَالَ عَلِيٌّ لَوْلَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ مُسَاوَمَتِهِمْ فِي الْمَجَالِسِ لَجَلَسْت مَعَهُ، قَالَ الْمُتَيْطِيُّ وَأَرَى أَنْ يَجْلِسَا جَمِيعًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَتَقَدَّمَهُ الْمُسْلِمُ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ اللَّخْمِيُّ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ، قَالَ مُطَرِّفُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ لَا فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ وَلَا فِي خَلْوَتِهِ وَلَا فِي جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ خَاصًّا حَتَّى تَنْقَضِيَ خُصُومَتُهُمَا، إلَّا أَنْ يَجْلِسَ خَارِجًا فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي يَجْلِسُ النَّاسُ مَعَهُ فِيهِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ قَضَائِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجْلِسَ فِيهِ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إنْ شَاءَ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُضِيفَ أَحَدَهُمَا أَوْ يَخْلُوَ مَعَهُ أَوْ يَقِفَ مَعَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيْهِ سُوءَ الظَّنِّ بِهِ، وَإِذَا أَرَادَ الْإِحْسَانَ إلَى أَحَدِهِمَا وَصَلَهُ حَيْثُ هُوَ إلَّا أَنْ يُضِيفَ الْخَصْمَيْنِ جَمِيعًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُجِيبَ أَحَدَهُمَا فِي غَيْبَةِ الْآخَرِ إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لَهُ اللَّدَدُ مِنْ الْخَصْمِ الْغَائِبِ أَوْ لَا يَعْرِفُ وَجْهَ خُصُومَةِ الْمُدَّعِي فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ لِيَعْرِفَ حَقِيقَةَ أَمْرِهِ قَالَهُ الْمُتَيْطِيُّ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يُلَقِّنَ أَحَدَهُمَا حُجَّةً عَمِيَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا كُرِهَ لَهُ أَنْ يُلَقِّنَهُ حُجَّةَ الْفُجُورِ. وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ لِخَصْمِهِ يَلْزَمُك عَلَى قَوْلِك كَذَا وَكَذَا فَيَفْهَمُ خَصْمُهُ حُجَّتَهُ، وَلَا يَقُولُ لِمَنْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ: قُلْ لَهُ كَذَا.

وَقَالَ أَشْهَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَشُدَّ عَضُدَ أَحَدِهِمَا إذَا رَأَى مِنْهُ ضَعْفًا أَوْ يَرَاهُ يَخَافُهُ لِيَنْشَطَ وَيَنْبَسِطَ أَمَلُهُ فِي الْإِنْصَافِ.

وَقَالَ عَبْدُ الْحَكَمِ: لَا بَأْسَ أَنْ يُلَقِّنَهُ حُجَّةً لَا يَعْرِفُهَا، وَخَالَفَ سَحْنُونٌ أَشْهَبَ وَابْنَ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَا قَالَاهُ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي تَنْبِيهُ كُلِّ خَصْمٍ عَلَى تَقْيِيدِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ قَوْلِ خَصِيمِهِ إنْ غَفَلَ وَلَا يُنَبِّهُ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ مِنْ " مُفِيدِ الْحُكَّامِ "، وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ فَلْيَقُلْ لِخَصْمِهِ هَاتِ قِرْطَاسَكَ أَكْتُبُ لَك قَوْلَهُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ، وَلْيَفْعَلْ ذَلِكَ بِجَمِيعِ الْخُصُومِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>