للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا فِي " مَعِينِ الْحُكَّامِ " قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَارِثٍ فِي مُحَاضَرَةٍ: يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلطَّالِبِ: مِنْ أَيْنَ وَجَبَ لَك مَا ادَّعَيْت؟ ، فَإِنْ قَالَ مِنْ سَلَفٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ ضَمَانٍ لَمْ يُكَلِّفْهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى، يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُكَلِّفُهُ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ كَيْفَ كَانَ عَقْدُ السَّلَفِ، وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ، أَوْ كَيْفَ كَانَ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَزَادَ ابْنُ رَاشِدٍ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ حَارِثٍ قَالَ، وَإِذَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ وَلَمْ يَكْشِفْ عَنْ وَجْهِ ذَلِكَ فَتِلْكَ غَفْلَةٌ مِنْهُ أَوْ جَهْلٌ يُوَجَّهُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبْهَمَ ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَجْهٍ لَا يَحِلُّ، فَيَكُونُ الْقَاضِي بِتَرْكِ ذَلِكَ كَالْخَابِطِ خَبْطَ عَشْوَاءَ يَعْنِي فِي الْأُمُورِ عَلَى رَأْيِ أَهْلِهَا وَهُمْ الْجُهَّالُ الَّذِينَ لَا يَعْرِفُونَ حَلَالًا وَلَا حَرَامًا، قَالَ ابْنُ رَاشِدٍ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لِلْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ الْمَطْلُوبَ.

وَفِي الْقِسْمِ الثَّالِثِ فِي ذِكْرِ الدَّعَاوَى فِي الشَّرْطِ الْأَوَّلِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ هَذَا، قَالَ ثُمَّ يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمَطْلُوبِ أَجِبْهُ فَإِنْ أَبَى أَنْ يُجِيبَهُ جَوَابًا مُفَسَّرًا اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ: دَعْنِي أَتَثَبَّتُ وَأَتَفَكَّرُ فَمَا تَفَكَّرْتَهُ أَجَبْت بِهِ، فَمِنْ حَقِّهِ أَنَّ الْقَاضِي يُمْهِلُهُ لِذَلِكَ وَيَضْرِبُ لَهُ فِيهِ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ.

وَمِنْهَا أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخُصُومِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَيُقَدِّمُ الْمُسَافِرِينَ وَالْمَضْرُورِينَ وَمَنْ لَهُ مُهِمٌّ يَخَافُ فَوَاتَهُ، فَإِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ يَأْمُرُ مَنْ يَكْتُبُ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ وُصُولِهِمْ وَيَدْعُو الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ، قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَسْبَقِ فَالْأَسْبَقِ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْأَوَّلَ يُقَدَّمُ فِي خِصَامِهِ مَعَ وَاحِدٍ فَقَطْ لَا فِي سَائِرِ مَطَالِبِهِ مَعَ خُصُومِهِ. قَالَ: وَهَذَا عِنْدِي مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ، فَإِنْ سَبَقَ بِخَصْمَيْنِ سَائِرَ الْمُتَخَاصِمِينَ فَفَرَغَ مِنْ طَلَبِ أَحَدِهِمَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَ الْآخَرَ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَطُولُ وَلَا يَضُرُّ بِالْجَمَاعَةِ الَّذِينَ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا لَوْ خَاصَمَ الْأَوَّلَ وَطَالَ خِصَامُهُ مَعَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ حَقِّ الَّذِينَ أَتَوْا بَعْدَهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ، وَرُبَّمَا كَانَ خِصَامُ الِاثْنَيْنِ كَخِصَامِ وَاحِدٍ تَطُولُ مَعَهُ مُخَاصَمَتُهُ.

وَمِنْهَا: إذَا قَرَّرَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ صَاحِبَهُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ أَلْزَمَهُ الْجَوَابَ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْكَارِ بِأَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْجَوَابِ أَمَرَ الْقَاضِي بِضَرْبِهِ بِالدِّرَّةِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى يُجِيبَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي فَصْلٍ يَخْتَصُّ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>