شَهَادَةُ مَنْ يَطْعَنُ فِي الصَّحَابَةِ وَيَقْذِفُ فِي عَائِشَةَ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ، وَهُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّافِضَةِ يَعْتَقِدُونَ الشَّهَادَةَ لِأَهْلِ شِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً، فَلِذَلِكَ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ فِيهِمْ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فَإِنَّمَا أَوْقَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْبِدْعَةِ تَدَيُّنُهُمْ.
وَأَمَّا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ فَقَالَ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي بَعْضِ تَأْلِيفِهِ: وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْفَاسِقُ بِاعْتِقَادِهِ الْمُتَحَفِّظُ فِي دِينِهِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مَحْكُومًا بِفِسْقِهِ كَأَهْلِ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا نُكَفِّرُهُمْ كَالرَّافِضَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْخَوَارِجِ وَنَحْوِهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ فَإِنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِالشَّهَادَةِ بِالْكَذِبِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ، وَلَمْ يَزَلْ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى قَبُولِ شَهَادَةِ هَؤُلَاءِ وَرِوَايَتِهِمْ، قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: وَإِنَّمَا مَنَعَ الْأَئِمَّةُ كَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَمْثَالِهِ قَبُولَ رِوَايَةِ الدَّاعِي إلَى بِدْعَتِهِ الْمُعْلِنِ بِهَا، وَقَبُولَ شَهَادَتِهِ وَالصَّلَاةَ خَلْفِهِ هَجْرًا لَهُ وَزَجْرًا لِيَنْكَفَّ ضَرَرُ بِدْعَتِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَرِوَايَتِهِ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَاسْتِقْضَائِهِ وَتَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ، رِضًا بِبِدْعَتِهِ وَإِقْرَارًا لَهُ عَلَيْهَا وَتَعْرِيضًا لِقَبُولِهَا مِنْهُ.
قَالَ حِزْبٌ مِنْ الْحَنَابِلَةِ: قَالَ أَحْمَدُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَدَرِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ وَكُلُّ مَنْ دَعَا إلَى بِدْعَتِهِ.
وَقَالَ أَيْضًا أَعْنِي أَحْمَدَ لَا يُعْجِبُنِي شَهَادَةُ الْجَهْمِيَّةِ الرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ الْمُعْلِنَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا: مَنْ خَافَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ مِثْلَ الرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّةِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ.
قَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مَنْ كَفَرَ بِمَذْهَبِهِ كَمَنْ يُنْكِرُ حُدُوثَ الْعَالَمِ وَحَشْرَ الْأَجْسَادِ، وَعِلْمَ الرَّبِّ تَعَالَى بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ وَأَنَّهُ فَاعِلٌ بِمَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ الْمُوَافِقُونَ عَلَى أَصْلِ الْإِسْلَامِ وَلَكِنَّهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ، كَالرَّافِضَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَغُلَاةِ الْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ، فَهُمْ عَلَى أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ الْجَاهِلُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي لَا بَصِيرَةَ لَهُ، فَهَذَا لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُفَسَّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute